الثلاثاء، 24 أبريل 2012


                                      المحكم والمتشابه
                                  
                                   بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

  {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } الأنبياء107

صدق الله العلي العظيم

مقدمة : الحمد لله رب العالمين والحمد حقه كما يستحقه حمدا كثيرا والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والسجاد والباقر والصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والعسكري والمهدي أنوار الهدى والعروة الوثقى الطيبين الطاهرين .

مما يجدر الإشارة اليه أختصار المقدمة لضرورة الحال في المقام وكسب السعة في الوقت لطرح الأفكار الخاصة بمبحث مهم من المباحث القرآنية التي ألتفت اليها المفكر الاسلامي وهو مبحث المحكم والمتشابه هذا الوصف الذي وصف به تعالى آيات كتابه العزيز بقوله {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيات مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تأويلهِ وَمَا يَعْلَمُ تأويلهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ}آل عمران7 وبالتالي فان الوقوف على معنى المحكم والمتشابه في آيات كتاب الله يعني الوقوف على الحقائق التي يشير اليها القرآن الكريم ويرسم ويوضح لنا طبيعة الخوض في غمرات هذا البحر الزاخر لاستخراج كنوزه والاقتباس من نوره {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقرآن هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان}ِالبقرة185 فهو كتاب هدى وبيان ونور فأنه في الوقت الذي يهدي الى الحق فأنه ينير لك الطريق للوصول الى ذلك الحق كما يجدر الاشارة ايضا ولو اجمالا الى ان الله عز وجل خلق الانسان ليبتليه وليميز الخبيث من الطيب وليتنافس المتنافسون وهذا يقتضي جعل القوانين والسنن الكونية بأتجاه تحقيق هذا المطلب{إِنَّاخَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيه فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً}الإنسان2. ومن القوانين الالهية لآيات الله عز وجل هو قانون المحكم والمتشابه ففي المحكم يسير الانسان الى ربه {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ }الانشقاق6 وفي المتشابه يميز الله الخبيث من الطيب والذين لا يعلمون من الذين يعلمون والكافر من المؤمن وسوف ياتينا توضيح طبيعة وحقيقة هذا التمييز من خلال طرح بعض المفاهيم والرؤى في محاور البحث الذي تم تقسيمه الى خمس محاور الاول يتناول تعريف المحكم والمتشابه وفق المنهج المعتمد في هذا البحث والمحور الثاني هو الوقوف على حقيقة وحدود المحكم والمتشابه وطبيعة وجوده وظهوره في القرآن والمحور الثالث يبحث في انعكاس هذا المفهوم للمحكم والمتشابه على الانسان والكون ومعرفة العلة لقانون المحكم والمتشابه والمحور الرابع في محاولة رفع او دفع التناقض المزعوم بين الآيات التي تحدثت عن الإحكام والتشابه في القرآن (آل عمران ,الزمر,هود) والمحور الخامس يتناول خلاصة البحث في المحكم والمتشابه وما يمكن ان يتوصل اليه الباحث في هذا الموضوع عسى الله ان يبارك لنا في سعينا والغاية رضاه فهو الامل وهو المنى واليه مرجع العباد .                                                                                                       

                                                   

                                                                     السيد 
                                                               شهيد الموسوي          
                                                            18 ربيع الثاني 1433ھ





المحور الاول

(تعريف المحكم والمتشابه)

للقرآن حقيقة واحدة لا تتجزأ وهذه الحقيقة متمثلة بمجموع آياته ولذا فمن آمن بكل آياته وكفر بآية فكأنما كفر بالقرآن كله كما قال تعالى {ثُمَّ أَنتُمْ هَـؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }البقرة85 وهذه الحقيقة وحسب قوانين التكوين لها أصل ولها ظهور وهو قانون يسري على كل موجود او كائن فأصل القرآن وحقيقته هو المحكم وظهوره متشابهه لان التشابه يكون في الظهور والا فان حقيقة الشيء تبقى ثابتة وهنا تقع الفتنة والنزاع {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاء اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ }البقرة70 . ولذا لولا موسى عليه السلام ما كادوا ليهتدوا اليها لانه العارف بحقيقتها . ولذا عدوا آيات الاحكام من المحكمات لانها اوامر ولا تحتمل الشك في الامر بالمطلوب نعم ربما يكون الاختلاف في فهم حدود المطلوب وبالتالي لا بد من ارجاعه الى ما هو احكم منه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تأويلاً }النساء59 كما هو الحال في آية الوضوء فلم يختلف احد في وجوب الطهارة للصلاة ولكن اختلفوا في كيفية تحصيل هذه الطهارة وبالتالي يمكن القول ان المحكم والمتشابه من القوانين النسبية فرب محكم متشابه بالنسبة الى محكم آخر ومثله مثل الانسان فالانسان لديه جنبة نفسية وجنبة بدنية مادية فبدن الانسان متغير ومتبدل وغير ثابت فهو متشابه من هذه الجهة {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }غافر67 وفي كل هذه الاطوار يبقى هذه البدن يشير الى حقيقة واحدة ثابتة بالنسبة اليه وهي النفس وكما هو حال القمر {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ }يس39 فالقمر هو نفسه في جميع منازله . اذن فنفس الانسان محكمة بالنسبة الى بدنه , كذلك النفس والروح فالنفس بالنسبة الى الروح متشابهة لانها كذلك متغيرة بالنسبة الى الروح فهي امارة ولوامة ومطمئنة والروح لها المقام الثابت والمعلوم والروح متشابهة بالنسبة الى روح القدس لانها متعددة وروح القدس واحد يؤيد الله به من يشاء من عباده وهو متشابه بالنسبة الى روح المعصوم فيظهر مرة ليحيي الموتى ومرة يبريء الاكمه والابرص وهكذا مع سائر الانبياء والرسل والاولياء وارواحهم سلام الله عليهم لها حقيقة واحدة تنتهي الى قوله (ص) } اول ما خلق الله نوري وخلق منه كل خير{ وبالنهاية فان نوره (ص) متشابه بالنسبة الى الله عز وجل فكل شيء متشابه بالحقيقة الا الله فانه محكم والى هنا ننتهي بالقول ان المحكم هو الثابت الذي لا يتغير والحاكم والأصل والمتشابه هو المتبدل والظاهر والمحكوم وغيرها من الاوصاف التي يمكن ان تطلق على المحكم والمتشابه لذا وصف الله عز وجل كتابه بان منه آيات محكمات هن ام الكتاب يعني أصله الثابت الذي يرجع اليه المتشابه واخر متشابهات ترجع الى المحكم لانها أصلها . فالمحكمات هي الآيات الثابتة والحاكمة والأصل الذي لانزاع فيه ولا شك ولا شبهة والمتشابه هو الذي يتغير ويتبدل فلا بد من ارجاع متشابهه الى محكمه لانه أصله ومرجعه اما اتباع المتشابه وابتغاء تأويله وعدم ارجاعه الى أصله فهو عمل قد ذمه الله عز وجل ووصف القائمين بهذا الامر ان في قلوبهم زيغ وانحراف عن الصواب والحق فالمحكم في القرآن هو ما اتفق الناس عليه ولا خلاف فيه فالله عز وجل جعل من آيات القرآن ما هو متفق عليه ومنه ما هو متشابه ويكون فيه خلاف فلا بد من ارجاعه الى المحكم كقوله تعالى (لا تدركه الابصار) وقوله تعالى (لن تراني) وقوله تعالى (ليس كمثله شيء) فهذه الآيات وعلى سبيل المثال لا الحصر لا يوجد فيها اختلاف ولا فرقة ولا تشعب فهي أصل الشجرة والقرآن مثله كمثل الشجرة فيه أصل (جذع) وفروع ولا بد من رجوع الفرع الى الأصل وارتباطه به لان فصله عن أصله وابعاده عنه يعني قطع الحياة عن الفرع او قطعه عن مصدرالحياة والنور والنمو فيجب ارجاع الامور الى امهاتها فاذا ارتبط الفرع بالأصل فهذا من الله كما قال تعالى {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أصلهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء }إبراهيم24 وبعكسه لا يكون من القرآن اي ليس من الله كما قال تعالى {وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ }إبراهيم26 وهي من الاشارات المهمة التي لابد للمؤمن ان يجعلها ميزانا في كسب المعارف وتمييزها لمعرفة الغث من السمين والصحيح من السقيم وذلك بارجاعها الى اصولها وهذه الاصول هي (كتاب الله وعترتي اهل بيتي) وفي المتشابه التفكر والتنافس والزيادة في العلم فمثلا قوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }طه5 عد البعض من العلماء الاعلام هذه الاية من المتشابهات لعدم تحديد معنى الاستواء بالنسبة اليه تعالى وتعارضها مع مضمون الاية {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }الأنعام103 والاية {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }الشورى11 والحق ان هذه الاية من المحكمات لان معنى الاستواء فيها تام ومتشابهها في قوله تعالى {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }هود44 فالاستواء الذي للسفينة متشابه بالنسبة الى غير السفينة وهكذا الى ان يصل الى محكمه وهو استواء الرحمن على العرش الذي هو محكم لانه تام فكل شيء له حدود من المعاني ينتهي اليها ولاتنتهي اليه فالحياة في العرش باقية وموجودة ولكن جبرئيل عليه السلام ليس له فيها نصيب فقال لو تقدمت انملة لاحترقت فالمعاني كلما ارتفعت بسطت وتمت وكلما دنت تركبت وتعددت والسائر من الأصل الى المتشابه فهو صائب اما من اتى من الفرع فهو كالسارق كما في قوله تعالى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }البقرة189 وعلم الكتاب في المدينة (انا مدينة العلم وعلي بابها )فالذي ياتي من غير علي عليه السلام أي القواعد الفكرية للامام علي في جميع مجالات الحياة كمن اتى البيوت من غير ابوابها واتبع المتشابه ولم يرجعه الى أصله . والمحكم والمتشابه في المجتمع كاشخاص وجودية او في نظام عالم الانسان يوجد محكم لا بد من الرجوع اليه وهو المعصوم والمتشابه هو غير المعصوم وكل ما كان محكم هو من أصل الشريعة وواجب الطاعة وامان الناس وسلامتهم بالرجوع اليه فاذا انقاد المتشابه الى المحكم سلم وانعصم وهذا الرجوع عدم المخالفة فالمحكم لاريب فيه ومبعد عنه الرجس ويسلم له تسليما وهو الابوة التي تعني الأصل وقد ورد عن النبي (ص) (يا علي انا وانت ابوا هذه الامة) اي أصلها المحكم وهي من ادلة العصمة لان المحكم معصوم من الشبهة ولا خلاف فيه ولا اختلاف ومن خالف فهو من الشيطان وكل من خالف رجوع الامر الى المعصوم هي مخالفة للقرآن لانه اتبع المتشابه ولم يرجعه الى أصله والمحكم ياتي بمعنى القضاء لان الآيات المحكمات قاضية وحاكمة على المتشابه فيجب الطاعة لها والعمل بها والأعتقاد بمضمونها او بمعنى المعرفة التامة لان طبيعتها حكمية اي تمامية معناها كاستواء الرحمن على العرش وصحة الرجوع لها او بمعنى صاحب المنعة الذي لا يصل اليه احد كحياة جبرئيل بالنسبة للعر ش ومنها استحالة الشك فيه وامتناعه عن حمله على غير مراده وهذه المفاهيم كلها صحيحة باعتبار جهة انعكاسها وضهورها التي تدل عليها كدلالة انعكاس اشعة الشمس على الاشياء وتاثيرها بها  .



المحور الثاني (حقيقة وحدود المحكم والمتشابه )

ورد عن امير المؤمنين (ع) (علوم الكون كلها في القرآن ) وبالتالي فان علوم القرآن وآياته في الكون كما قال تعالى { سَنُرِيهِمْ آياتنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }فصلت53 والقرآن انزل بقانون المحكم والمتشابه بهذا نستدل على احد امرين اولهما ان قانون المحكم والمتشابه يظهر من خلال ظهور الآيات في الافاق والثاني ان قانون المحكم والمتشابه طبيعة تكوينية لكل ما في الوجود بما فيها القرآن وحقيقة الحال ان علة وجود هذا القانون كطبيعة مقيدة للكائنات متعلقة بعلة الخلق الواضحة من قوله تعالى {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ }الملك2 وقوله تعالى {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً}الإنسان2 فطبيعة هذه الدار هي دار امتحان واختبار وهذه الطبيعة انعكست على قوانينها ومنها المحكم والمتشابه لان وجوده هو لوضع الانسان في محور الاختبار والبلاء والامتحان وقد ورد عن الصادق عليه السلام(وانما هلك الناس في المتشابه لانهم لم يقفوا على معناه ولم يعرفوا حقيقته فوضعوا له تأويلا من عند انفسهم بآرائهم واستغنوا بذلك عن مسألة الاوصياء ونبذوا قول رسول الله (ص) وراء ظهورهم) الذي يبين العلة من وجود هذا القانون ليكون في كل شيء اية تدل عليهم وقد ذكرنا في المحور الاول سريان هذا القانون على الانسان روحا ونفسا وبدنا وهو يسري على كل شيء لانه من انظمة الخلق لان نظام الخلق الذي وهبه الله لخلقه {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى }طه50 نظام عام يستبطن انظمة عديدة ودقيقة ومنها المحكم والمتشابه لان ذلك من مقتضيات الاختبار كما قال تعالى {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ }المؤمنون115 ولذا يمكن القول اننا نستطيع بقليل من التأمل أن نرى المحكم والمتشابه في هذا الوجود فهو في الشمس وضحاها اي الشمس واشعتها فالشمس محكمة والاشعة هي التفصيل وهي المتشابه وما نزل من الشمس هو الاشعة فنزول القرآن والآيات هي اشعة الكتاب لذا يكون القرآن كله متشابه بالنسبة للكتاب لانه كله مثال او مثل وليس الأصل لان الحروف والكلمات لها صور ملكوتية التي هي مصدرها وهي النور واشعته الحرف او الكلمة الذي هو ظل النور او مثاله وشبيهه فالكتاب هو المحكم والقرآن هو المتشابه تلبس بلباس الحروف والآيات اي ان نور الكتاب ظهر برداء او مثال والذي تحت الرداء او الثوب هو النور وهو الأصل وهذا النزول للقرآن غرضه ايصال المعارف لعقول الناس لانه هدى للناس فالنباتات تشرب اشعة الشمس للتغذية والناس تنظر للمثال فيدخل القرآن لعقل الانسان وهذا هو التدبر اي ان القرآن ليس للحفظ في عقل الانسان بل ذلك النور العلوي هو المطلوب وجوده في عقل الانسان فبالتدبر يستطيع الانسان ان يحول هذه التراكيب اللفظية الى معناها وهذا هو معنى ارجاع المتشابه الى المحكم وذلك برجوع القرآن الى مقام علمي اخر وهو العقل وهو مكان التدبر والتفكر والذي يحول المواد المركبة الى بسيطة فأصل الكتاب بسيط وهو من معاني الاحكام وظهر مركب بالقرآن وهو من معاني التشابه والانسان بعقله يحوله من مركب (حروف وكلمات وعبارات ) الى بسيط بمعانيه وهو اشبه بالطعام الذي يتحول من مركب الى بسيط لينتفع به في الدم وهنا بالتدبر يتم ارجاع القرآن الى محكمه فاذا وصل الانسان الى ذلك الكتاب الذي لاريب فيه اهتدى بهداه واكتسب صفاته وصار عليا حكيما {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ }الزخرف4 وهذا العلو هو الوصول الى مس الكتاب اي هداية الكتاب {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }البقرة2 والمتقي هو الذي جعل الكلمات والحروف سلما للرقي الى الكتاب والهداية الحقيقية هي اذا وصل الانسان الى المحكم (الى معدن العظمة ) وهذا هو الحبل المطلوب الصعود به وفيه وهو الصراط المستقيم لان المهتدي من يرى الصراط ويسير عليه والناس هنا على ثلاثة اقسام بالنسبة الى الكتاب فالكتاب في حقيقته العلوية بسيط ومحكم وفي حقيقته الدنيوية مركب ومفصل ومتشابه فمن الناس من تمسك بقوالب الحروف والكلمات ومنهم من يقرا ويرقى بتدبره ومنهم من وصل اليه وصار بموازاة الكتاب كما قال تعالى{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}الرعد43 وورد عن امير المؤمنين عليه السلام (ان الله قسم كلامه ثلاثة اقسام فجعل قسما منه يعرفه العالم والجاهل وقسما لا يعرفه الا من صفا ذهنه ولطف حسه وصح تمييزه ممن شرح الله صدره للإسلام وقسما لا يعلمه الا الله وملائكته والراسخون في العلم ) فنهاية الصراط ونهاية الطريق هو علم الكتاب ومن كان على الصراط او الطريق فيشمله العذاب وتلهبه النيران اما من عنده علم الكتاب فهو ميزان العلم كما قال تعالى {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً }الفرقان59 وقوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }النحل43 فالامام علي عليه السلام بمنزلة المحكم لانه بمنزلة الكتاب وهو افضل من القرآن لان الكتاب افضل من القرآن وان القرآن من الكتاب والقرآن هدى للناس بينما الكتاب هدى للمتقين .

والمحكم والمتشابه في الرؤيا وفي الاسماء والصفات وفي الليل والنهار والرجل والمرأة والعقل وفي كل نظام او عالم في هذا الوجود ففي الرؤيا هناك امور قابلة للتأويل وامور محكمة غير قابلة للتأويل فرؤية فرعون تؤول خلاف ظاهرها اما رؤية ابراهيم عليه السلام (اني اذبحك) قال افعل ما تؤمر فلم يؤولها خلاف ظاهرها ورؤية يوسف عليه السلام قابلة للتأويل فيظهر كذلك ان الرؤيا التي فيها فعل امر غير قابلة للتأويل ولذا فان آيات الاحكام تؤخذ على الظاهر لانها محكمة وفيها اوامر وهناك آيات تؤخذ على الباطن كقوله تعالى{وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً}الإسراء72 وقوله تعالى {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }القيامة23 وهناك آيات يمكن الجمع بينها اي بين الظاهر والباطن كقوله تعالى{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ }الرحمن19 التي تشير الى علي وفاطمة على بعض الروايات او قوله تعالى{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً }الكهف60 التي تشير الى الظاهر والباطن او آيات السماء والارض وقوله تعالى ن والقلم فالقلم هو العلم او العقل والكوثر الذي يعني الخير الكثير او الزهراء او نهر في الجنة او انتشار الدين{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}التوبة33 والليل والنهار اي الرجل والمرأة كقوله تعالى{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا }الشمس4 والضحى علوم الامام او زمن ظهور الامام والائمة هم الايام والساعات وهم الشهور وهم اثنا عشر عينا والكثير من الروآيات تشير الى هذه الامور وفي القسم الاول والثالث لا تكون فتنة واذا كانت فتكون بسيطة ولا تكون كالشبح المرعب الذي يهدد الوحدة الاسلامية ولكن الفتنة في القسم الثاني وهي في الآيات التي تحمل على الباطن ولا تحمل على الظاهر والطرف الاخر يحملها على الظاهر اي انه يجعلها من المحكمات اي انه يجعلها أصل بينما هي في اخر المراتب وهي تحتاج الى اصولها والشيطان يريد ان يحول المتشابه الى محكم اي يريد قلب الامور فيجعل المتشابه الذي هو مأموم الى أمام وجعل الأمام الذي هو محكم الى متشابه اي مأموم وخلاصة القول ان قسم من الآيات تحمل على عدة وجوه واخرى فيها وجه واحد والمختلفة فيه الاراء هو المتشابه الذي لابد من رجوعه كرجوع الناس الى محمد وال محمد لانهم أصل كل شيء وأصل المتشابه هم المحكم وحمل الاية على احد الوجوه لابد ان يكون بارجاعها الى أصلها وهو التأويل فمن المتشابه ما لايمكن حمله على الظاهر ولابد من حمله وارجاعه الى المحكمات لبيان المراد وهذا هو النوع الثاني من الآيات وهناك محكم ومتشابه في الاسماء والصفات فالاسماء هي المحكمات والصفات هي المتشابهات لان الصفات منشأها الاسماء كما قال تعالى {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ }العلق1 فالصفات الفعلية منشاها وامهاتها الاسماء وفي العقل محكم ومتشابه فالعلم محكم والفهم متشابه وهو تقسيم العقل فالمتشابه هو للتفاوت والزيادة بالمعرفة فاذا كانت الالوان محكمة فالرسم متشابه والابداع يكون في المتشابه وقال امير المؤمنين علي عليه السلام (علمني رسول الله من العلم الف باب ومن كل باب يفتح الف باب ) فالباب الاول من العلم والالف باب الفهم لان الذي عند العلماء واحد والفهم والعلوم المستخرجة تختلف من عالم لآخر فالمحكم والمتشابه وكما تقدم نظام للكون كله وهما من التوحيد لان التوحيد هو رجوع الاجزاء للكل اي رجوع المتشابه للمحكم والملكوت هو المحكم والملك هو المتشابه والمتشابه يفنى والمحكم يبقى لذا فان الدنيا زائلة والآخرة باقية والخروج عن مدارهم عليهم السلام ضياع (ولايتنا امان من الفرقة ) والذين يؤمنون بالغيب والغيب هو المحكم فلا بد من الايمان به واحد اسماء المهدي عليه السلام هو الغيب والايمان بالمهدي امان من الفرقة والتشتت والضعف والضياع والصراط المستقيم هو المحكم والسير على الصراط هو المتشابه فاذا كان السير وفق الصراط وصل الانسان واذا كان على غير الصراط ابتعد ولم يصل . والمحكم والمتشابه كما في القرآن فهو في من لايفترق عن القرآن وهم العترة الطاهرة صلوات الله عليهم فقد ورد عن رسول الله (ص) (لن يفترقا) وعدم الافتراق له وجوه عديدة منها عدم وجود مورد يختلفان فيه وعليه يكون في المعصوم محكم ومتشابه كالقرآن بحسب هذه القاعدة وهو واضح في قوله تعالى{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً }الكهف110 فمن الناحية البشرية المعصوم متشابه وهذا التشابه له خصوصية سناتي لذكرها . ومن الناحية الفنائية وهي جهة الوحي فهو محكم والناحية البشرية للمعصوم المتشابهة هي محكمة بارتباطها بالمحكم وهي جهة الوحي ولذا قال تعالى{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى}النجم3 وهذه الجهة ثابتة للرسول (ص) وثابتة لهم باعتبارات عديدة منها ان القرآن او علم القرآن معهم ولا يفترق عنهم والقرآن هو وحي السماء فوحي السماء في صدورهم كما قال تعالى{بَلْ هُوَ آيات بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ}العنكبوت49 وهذه هي الجهة المحكمة في المعصوم التي تكلمنا عنها فلو لاحظنا وكانت لنا قراءة للواقع نرى ان الاختلاف والخلاف في آيات القرآن حتى المحكم منها فالامان هو ان نرد هذه النزاعات اليهم سلام الله عليهم لانهم ميزان العلم وهم اهل الذكر وهم السبيل الذي يؤدي الى محمد (ص) قال تعالى{قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً}الفرقان57 ومرة يكون الميزان حاضر فيقيم لنا افكارنا ومرة غير حاضر فنقيم افكارنا من كلامه والذين في قلوبهم زيع يتبعون المتشابه غير المرتبط بالمحكم وبوحي السماء قال تعالى {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً}الفرقان28 فارادوا الفتنة بهذا والفتنة هنا انهم ارادوا المساواة بينهم وبين النبي قال تعالى{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقرآن عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}الزخرف31 بينما النبي يشير الى انه من هذه الناحية مثلهم وما يميزه هو الوحي والنبي وغير النبي مامور باتباع الوحي قال تعالى{اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}الأنعام106 والتأويل في هذا الجانب هو جعل المتشابه من الناس له حقيقة وبعد ملكوتي مرتيط بوحي السماء اي جعله حبل ممدود بين الارض والسماء وهكذا العمل في آيات القرآن فابتغوا الفتنة في عدم ارجاع المتشابه الى المحكم وابتغوا تأويلها فجعلوها بمنزلة المحكم الذي لا ريب فيه فمرة يفصلون المتشابه عن المحكم ومرة يشركونه معه اشراك الشيء لنظيره والحق هو رجوع المتشابه وارتباطه بالمحكم والمحكم هو المتصرف الذي يصرف المتشابه الى معناه ومراده النابع من أصله ومن ناحية اخرى فالمتشابه يتخذ فتنة بالحكم على الناحية البشرية للمعصوم كما قال تعالى {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ }الذاريات52 لانهم نظروا الى المتشابه بينهم وبينه وهي بشريته ولم يراعوا ارتباطه وصلته بالسماء وكذلك مع الآيات بعدم الاعتناء بارتباط المتشابه مع المحكم والفتنة التي يبغونها هي ابعاد الناس عن هداهم وهو ناتج من الزيغ الذي في قلوبهم والذي من اسبابه الجهل وعدم العلم وانكار ارتباط النبي بالله والركون للدنيا والشهوات قال تعالى{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً }مريم59 .

المحور الثالث (علة المحكم والمتشابه )

ذكر في المحور الاول والثاني من البحث بان الله عز وجل جعل للخلق غاية وهدف تنشده قال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56 والعبادة هي الدين قال تعالى {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ }الزمر2 وأول الدين معرفته وهكذا يتدرج الانسان في مراتب الكمال ليصل الى هدفه وغايته ومنتهاه . ولاجل الوصول الى الهدف لابد من السير وفق موازين وقوانين كفيلة في الايصال الى المطلوب ومنها ايجاد او وجود قانون المحكم والمتشابه وذكرنا  ان هذا القانون يشمل كل الكون وهدف وجوده هو للحفاظ على أصل العلاقة مع المعصوم لان ايجاد المتشابه بين الناس يخلق الفتنة فلابد من ميزان وحاكم يرجع اليه الناس ولعلنا نجيب بداية على السؤال التالي وهو هل بالامكان معرفة الله دونهم سلام الله عليهم وهل بالامكان معرفته تعالى أصلا ؟  والجواب ان معرفته تعالى بالذات غيرممكنة قال تعالى {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً }طه110 اما معرفته بهم فممكنة لانهم العارفون به كما قال الرسول (ص) (لا يعرف الله الا انا وعلي) ولانهم البيوت التي اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه فهم بهذا المعنى مظهر اسماءه وصفاته بل المظهرين لاسمائه وصفاته لان لهم الخلافة الاسمائية والصفاتية ولذا فمعرفته تعالى بهم اي بمعرفتهم لان الله قد احتجب عنا بهم لانهم المكرمون والسابقون اليه اما دونهم فما قدروا الله حق قدره اما السابقون في هذه النشأة فاليهم كما ورد في زيارة النبي (ص) الفائز بالسباق والفائت عن اللحاق وبعد هذه المقدمة الوجيزة يتبين لنا انهم امان العباد وصراط الله وسبيله فالغاية والنهاية لا تكون الا معهم وبهم كما قال الصادق عليه السلام (بنا فتح الله وبنا يختم) وقال تعالى {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً }الفرقان27 لانهم صنائع الله عز وجل قال (ص) (ادبني ربي فاحسن تاديبي) فيتضح لنا ان بالمحكم والمتشابه يرجع الناس الى المعصوم لانه ميزان العلم لانهم لا غيرهم من يوصل الى الله بل القرب منهم هو القرب من الله لانهم ذوي القربى من الله فمن يريد ان يتقرب فليتقرب اليهم والمحكم والمتشابه يدل عليهم لانهم العالمون بتأويله كونهم الراسخون في العلم فالرجوع اليهم كرجوع المتشابه الى المحكم فبالمحكم يتبين المراد ويزول الشك وقد ورد عن الصادق عليه السلام قوله ( ام الكتاب قال: امير المؤمنين والائمة ...واخر متشابهات قال: فلان وفلان) ونلاحظ ان قانون الرجوع هو الأصل قال تعالى{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}البقرة156 وهذا الرجوع هو من ابواب التوحيد وهو واضح في قانون المحكم والمتشابه ولو فصلنا القول نلاحظ ان المحكمات هن ام الكتاب وهذا الكتاب له وجود علمي وهو عند امير المؤمنين عليه السلام كما اشرنا لذلك بقوله تعالى{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}الرعد43 وهذا الوجود العلمي للكتاب اشار اليه تعالى بقوله {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ }يس12 لان عنده علم الكتاب وهو علم كل شيء وحقيقة كل شيء قال تعالى{وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ}الحجر21 وقال تعالى{وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً }الكهف49 ومن عنده علم الكتاب عنده المحكم والمتشابه وهذا الكتاب هو الذي لا ريب فيه وعلى ذلك سمي عليه السلام امام المتقين لان الكتاب هدى للمتقين قال تعالى {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }البقرة2 وسمي عليا من اسم الكتاب قال تعالى {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ }الزخرف4 اي ان هذا الاسم للكتاب انعكس على علي عليه السلام لانه العالم بالكتاب وفي الحقيقة انه سلام الله عليه عنده علم الكتاب وهو يقول (علمني رسول الله) فرسول الله هو الكتاب والزهراء عليها السلام ام الكتاب لانها ام ابيها كما ورد عن رسول الله (ص) اي انها من المحكمات والمحكمات هم آل محمد سلام الله عليهم وهو النور الاول الذي قال عنه (ص) (اول ما خلق الله نوري ) .

وللكتاب ثلاث مراتب اولها المرتبة الدنيوية وهو الكتاب التدويني الذي يقراه الناس قال تعالى {وَقرآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً }الإسراء106  والكتاب التكويني وهو كل الكون قال تعالى {طس تِلْكَ آيات الْقرآن وَكِتَابٍ مُّبِينٍ }النمل1 ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر واختلاف الالسن والالوان والمرتبة الثالثة الكتاب الانفسي قال تعالى {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }البقرة2 وهو النفس الكاملة او الانسان الكامل قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }النساء1 وهم الخمسة الذين خلق الله لاجلهم كل شيء وقوله عليه السلام (ينحدر مني السيل ولا يرقى الي الطير) وقوله (ضاهري امامة وباطني غيب لايدرك)وهو الآية الكبرى والنبأ العظيم وهو نفس النبي كما ان فاطمة روحه وهو صلى الله عليه وآله صاحب المقام الاول او العقل الاول كما روي عنه (ص) (اول ما خلق الله العقل ) فالرجوع الى المحكم يعني الرجوع اليهم لانهم الكتاب الذي وسع كل شيء قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107 والى هنا يتبين للمؤمن ايمانه وللمشرك شركه والكافر كفره فالمؤمن بالمحكم والمتشابه هو الذي أرجع المتشابه الى محكمه كرجوع الامانات الى اهلها قال تعالى {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً }النساء58 والامانات هي المتشابه والمحكم اهلها واداء الامانه من الايمان او من الامن لان رجوعها الى المحكم يعني ايوائها الى ركن شديد وهو امان لها من الفرقة والتشتت اما الشرك فهو من يشرك المتشابه بالمحكم فيشركه بإحكامه ومزاياه وصفاته وأحواله فلا يميز ولا يتبين له الخيط الأسود من الخيط الأبيض وكأنه يعيش في ظلام قال تعالى {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }لقمان13 لان الشرك ظلام لايمكن التمييز فيه اما الكفر فهو إبعاد وفرار المتشابه عن المحكم او المحكم عن المتشابه وهو بمنزلة التفريق بين الفرع والأصل او كمن يقطع الحرف الأخير وهو العين عن كلمة فرع لان العين تأتي بمعنى مادة الشيء وأصله مثل عين الذهب فلا يبقى إلا الفاء والراء ومنها الفرقة لان الفرع يتغذى من الأصل فإذا فرقوا بين الفرع وأصله مات الفرع كما ماتت رقية عليها السلام عندما فرقوا بينها وبين ابيها فلا اعلم اين يفرون من فعلوا ذلك من عذاب الله وسخطه.

وهذه المرجعية هي الأصل لانها عدل الكتاب ولا تفترق عنه ومرة تكون مزيفة وليس لها ارتباط بالقرآن فمن يتحدث بالقرآن بغير مرجعية أهل البيت هو المنافس الذي يريد ان يطعن بأهل البيت بالقرآن وهذا مثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث كونه لا قرار له وصفة الكلب العدائية للناس سواء ضربوه او تركوه فمن كان كذلك كانت له صفة نصب العداء لأهل البيت لأنه يريد إن يأخذ محلهم ومراتبهم كيف لا وهؤلاء قطعوا المتشابه عن المحكم بان قطعوا الإمامة عن النبوة اللتان بمنزلة المتشابه والمحكم وفتنتهم في الإمامة فلم يرجعوها الى أصلها وهي النبوة فالإمامة امتداد للنبوة كامتداد الأصل بفرعه وإذا كانت للنبوة فرع فللزهراء عليها السلام وهي أم أبيها فرع ايظا تغذت بصفاتها وأحوالها وارتبطت بها كارتباط الجزء بالكل وفرع الشجرة بأصلها فسميت معصومة وهي فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم فهي بضعة من الزهراء في قم فانعم بها من بضعة فمن لم يصل الى الأصل فليستضل بظل فروعه فهم الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء سلام الله عليهم أجمعين.

المحور الرابع(محاولة في رفع او دفع التناقض)

من خلال استقراء الآيات التي تحدثت عن محكم كتاب الله ومتشابهه نلاحظ وجود ثلاث آيات الاولى تقسمه الى محكم ومتشابه وهي قوله تعالى{هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيات مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تأويلهِ وَمَا يَعْلَمُ تأويلهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ}آل عمران7 والثانية تصفه كله متشابه قال تعالى{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }الزمر23 والثالثة تصفه محكم كله قال تعالى{الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آياتهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ }هود1 وكانت للعلماء الإعلام وقفة جادة في بيان أو دفع هذا التناقض في وصف الكتاب ويمكن إضافة بعض النقاط على شكل أطروحات لعلنا نظيف شيئا إلى ما تم تقريره في محله ومنها :

1: التسليم بوجود التناقض باعتبار قوله تعالى {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ }الأنعام38 إي إن إيجاد هذا التناقض مقصود لأنه فتنة من الله وهو القائل تعالى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }الأنبياء35 فعلى العالم البحث وعلى الجاهل التعلم والله يقول ويأمر بقوله تعالى {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقرآن مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً }طه114 ليخرجكم من الظلمات إلى النور فوجود الظلمات والنور هي بمنزلة المحكم والمتشابه والله يريد إخراجنا من ظلمات المتشابه إلى نور المحكم قال تعالى{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً}الإسراء12 فوجود التناقض ليس مشكله بل امتحان والقرآن كنظام لا يمكن تحديده ظمن رؤية محددة ونظام محدد لأنه من الله اللامتناهي فوجود التناقض يأتي ضمن الحكمة والإرادة الإلهية للحث على التدبر والتفكر وطلب العلم وزيادة الفهم .

2 : ان وجود هذا التناقض هو حسب الفهم او العقل البشري العام قال تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }الإسراء85 وبالتالي لا بد من الرجوع الى المعصوم فلو عرف الناس كل الاحكام وكل التفاسير وكل الدلالات فلا توجد حاجة عندهم للرجوع الى المعصوم وهذا الرجوع ضروري لان غايته ارتباط الناس بالله والمعصوم هو حلقة الوصل الحقيقية بين الأرض والسماء قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }الأحزاب56

3 :رفع التناقض من خلال فهم الدلالة لكل آية على حدة ومعرفة موضوع الآية وتحديد الجانب المطلوب من الموضوع ويمكن ان نطرح بعض المعاني كأطروحات عن أية التشابه (الزمر 23 ) وأية الإحكام (هود 1) وما يمكن إن نتوصل إليه من معاني تدفع او ترفع هذا التناقض إن وجد ونبدا بآية التشابه فنطرح الأطروحات التالية :

أ : ان المراد من الكتاب المتشابه الكتاب الذي انزل على الأنبياء والرسل فهو من جهة أصله وحقيقته واحد ومن جهة ظهوره وبيانه وقرآنه متعدد فهو حقيقة واحدة تشابهت في ظهورها بما يلائم وحال الناس فنزل توراة وإنجيل وزبور وقرآن فالكتاب بمنزلة القمر لانهما انوار هداية وقدرهما الله منازل قال تعالى {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَاماً وَرَحْمَةً أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ }هود17 وكتاب موسى احد متشابهات الكتاب الذي لاريب فيه  .

ب : ان يكون المراد من الكتاب المتشابه القرآن بالنسبة الى أصله وهو الكتاب قال تعالى {فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ }الواقعة78 . فالقرآن مثل الكتاب وصورته الدنيوية قال تعالى {وَقرآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً }الإسراء106 فهو يحتوي على الالفاظ والكلمات التي هي دالة على معاني الكتاب والكتاب هو الإمام لأنه أصل القرآن ومرجعه الذي أحصى كل شيء علما او معنى كما ان القرآن أحصى كل شيء مثالا قال تعالى {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـذَا الْقرآن مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً }الإسراء89 فهو يحتوي على كل مثل او من كل شيء مثل والكتاب أحصى الكل علما وأصلا قال تعالى {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ }الحجر21 وهي الحقائق العلمية للأشياء قبل الأمر (كن)

ج : إن يكون المراد من أحسن الحديث كتابا متشابها هو الأنبياء والرسل والأولياء لأنهم كلمات الله قال تعالى {إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ }آل عمران45 فكل الأنبياء بمجموعهم كتاب متشابه كونهم أحسن الحديث أو هم مجموع كلمات الله في الكتاب وهم حديثه وكلماته لأنهم مظهر صفاته وكمال معرفته فهم كتاب متشابه مبعوث رحمة للعالمين لأنهم المقتبسون من نور عظمته قال تعالى{إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى}طه10 فهذا الكتاب متشابه بالنسبة الى الكتاب الذي لاريب فيه وهو المصطفى محمد (ص) والخلاصة إن هذا الكتاب متشابه بالنسبة إلى أصله وحقيقته كذلك القرآن فهو متشابه مع أحسن الحديث (كتاب الله وعترتي اهل بيتي ) او القرآن الصامت والقرآن الناطق والكتاب فيه أم الكتاب وهن المحكمات وفيه المتشابهات قال تعالى {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ }الرعد39 فالمحو والإثبات متعلق بالناس (من تاب تاب الله عليه ) وقال تعالى{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ}الرعد11 وهو المتشابه وعنده ام الكتاب وهو المحكم وما كان من الله كان محكم وما كان من الناس كان متشابه قال تعالى{وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}التكوير29 فهو محكم وقال تعالى{وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً}الكهف29 فهو متشابه والمتشابه يرجع الى المحكم فما كان من الله كان جميلا وما كان من الناس مختلفا ألوانه لذا لما قالوا لزينب عليها السلام (كيف رأيت صنع الله بأخيك) قالت (ما رأيت إلا جميلا) لأنه من الله فتضحية الحسين محكمة بالنسبة الى كل تضحية في سبيل الله بل هي أصلها وسببها وعلتها وسائر التضحيات متشابهة بالنسبة الى معركة ألطف فألطف محكمة وغيرها متشابه.

تشابهت في الوغى حربهم       لكن حسينا طفه محكم

فالمحكم ما انتهى إليه كل شيء فهو الثابت ويدور عليه كل شيء ومنه يبدأ كل شيء واليه ينتهي كل شيء .

وفي تفسير وفهم دلالة أية الإحكام في قوله تعالى{الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آياتهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}هود1 فنقول كأطروحة إن أحكمت آياته إي الإحكام في مقابل التفصيل والإحكام يعني الدائرة المغلقة غير القابلة للدخول من خلالها إي إن الناس لا تستطيع الدخول إليه ومن ثم فصلت حتى تدخل الناس إليه ومثل الكتاب والقرآن او المحكم والمتشابه هنا كمثل الإسلام والإيمان فالإسلام أمر لفظي والإيمان أمر قلبي فالإسلام تدخل إليه قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }البقرة208 والإيمان أمر محكم فهو من يدخل إليك قال تعالى {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الحجرات14 ومثله مثل الإنسان وقلبه فالإنسان بحركاته واقو اله يؤول لأنه متشابه إما قلبه فواحد ونحن لا نعرف مضمون الكلام ونيته ولكن الله يعرفهم قال تعالى {وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ }محمد30 وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ }البقرة26 لان المثل متشابه والإرادة محكمة فالضال هو من لا يعرف الإرادة من هذا المثل .

بعد هذا الفهم يتبين لنا وكما ذكرنا سابقا إن للكتاب حقيقة علوية لها ظهور نسبي فتارة يكون الوصف للحقيقة وتارة للظهور النسبي فكل أية لها مضمون يختص بها لأنها تختلف في حيثيات موضوعها ومنازله وان اشتركت في ذلك الموضوع وللإحكام والتشابه صور عديدة ومنه ان كل اية محكمة في معناها الذي نزلت به وهي متشابهة مع أية أخرى تشترك معها في بعض الألفاظ او المعاني لان ورود لفظ واحد مشترك بين ايتين لا يعني بقاء اللفظ بمعناه التام له لان دخوله في التركيب اللفظي الذي يؤثر عليه إعرابا دليل على تأثره عند دخوله في التركيب المعنوي للآية فيأخذ المعنى حيثية أخرى متأثرا بالمعاني التي تدل عليها ألفاظ المركب الداخل به فتكون الآية محكمة في معناها ومتشابهة بالنسبة إلى معنى الآية الثانية المشتركة معها لفظا أو معنى والآية الثانية محكمة في معناها ومتشابهة بالنسبة إلى معنى الآية الأولى . وهو معنى المحكم والمتشابه في المحكم والمتشابه نفسه .

المحور الخامس (الخلاصة)

بقي ما ينبغي توضيحه بعد هذه المقدمات والتي تعتبر من الثوابت والأسس التي ينبغي اعتبارها في فهم ما يطرح من رؤية للمحكم والمتشابه وتتلخص بما يلي :

1 : للكتاب حقيقة علوية وجودية أشار إليها تعالى بقوله ذلك الكتاب في سورة البقرة وانزل أو نزّل هذا الكتاب إلى أخر مرتبة من مراتبه وهو القرآن فالمحكم والمتشابه كما هو في الكتاب باعتباره من القوانين والنظم الإلهية التكوينية التي فرضها الله على الوجود فان هذا التنزيل للكتاب يقتضي تغير قوانينه لتكون ملائمة لدرجة وجودة ومرتبته لذا ينبغي التنويه إلى إن المحكم والمتشابه كقانون ينبغي دراسته والبحث فيه بحسب مرتبة الكتاب فتارة في الكتاب الذي لاريب فيه قال تعالى{يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}الرعد39 وتارة في الكتاب الذي هو هدى للناس قال تعالى{هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيات مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تأويلهِ وَمَا يَعْلَمُ تأويلهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ}آل عمران7  وتارة في الكتاب التكويني قال تعالى{سَنُرِيهِمْ آياتنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}فصلت53 فالمحكم والمتشابه في كل منها قانون له أصل واحد تغير باعتبار تغير مراتب موضوعه .

2 : مراد المتشابه خصوصا في القرآن هل يعني الآيات المتشابهة فيما بين نفس هذه الآيات ام ان التشابه يكون بالنسبة الى المحكم اي ان نتصور للقرآن مرتبتين اعلى وادنى فالاعلى هو المحكم والادنى هو المتشابه فالمتشابهات في هذه الحالة بالنسبة الى محكماتها والاتباع الحقيقي للقرآن بالمحكم لانه ثابت ولا يتغير ولا يفسد اما الآيات المتشابهة فهي غير ثابتة ومتغيرة ومنتهية الى حد معين ومثال الشمس واشعتها الذي سبق ذكره يوضح ذلك .

3 : ينبغي للباحث في هذا الشأن الحذر والتفريق بين مفهوم التشابه ومفهوم الاشتباه فكلاهما شيئان مختلفان فالتشابه يحصل بين امرين مع جواز المقارنة بينهما فيشتركان في جهة او عدة جهات مع اختلاف حقائقهما وهو امر واضح ولا شك فيه اما الاشتباه فهو من الوهم الذي لا حقيقة له ومثلهما كمثل الثمار وصاحب البستان فالثمار قد تكون متشابهة في اللون او الطعم فهي من تكون متشابهة اما صاحب البستان فقد تشتبه عليه الثمار لعلة معينة قد تكون خارجة عن الثمار .

كتبت آخره في الليلة 18 من جمادي الاولى 1433

 وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام والتسليم للمبعوث رحمة للعالمين محمد وعترته الهداة المهديين الطيبين الطاهرين .



   


الاثنين، 23 أبريل 2012


   بسم اللة الرحمن الرحيم                                                   

  أخي الإنسان            
تحية لك اين ما كنت وكيف ما كنت  ..
حقق وجودك ، واعلم أن وجودك لحظة أمكن أن تدرك قيمتك فيها . ولا يمكنك إدراكها إلا إذا عرفت قواك الموصلة لتلك الحقيقة وأوسعها الأماني  واعلم أن قيمة وجودك ليس بكل أمانيك، بل بما تريده منها . وليس كل ما أردته متحقق بل ما عزمت عليه . وليس كل ماعزمت عليه بصالح إلا ما كان صادقا . وليس كل ما هو صادق ناجح إلا إذا كان حكيما . وليس كل ما هو حكيم  صائب إلا إذا كان عليما . وليس كل عليم موفق إلا إذا كن حرا . وليس كل حر سعيد إلا إذا كان عبدا . وليس كل عبد يدرك حقيقة وجوده إلا من عبد (واهب الوجود )هو وحده من يستحق معنى العبودية  المطلقة.
وما اقلهم أولئك الذين يستحقون وسام الحرية حيث أقاموا بقدم صدق ولسان صدق شعار من افاض علينا الوجود(لااله إلا هو) في ذواتهم المقدسة .فكانوا بحق منارا لأحرار العالم بدعوتهم  للتحرر من عبودية كل ما سوىالله سبحانه  .ومن عبد سواه ،فهم العبيد وان سماهم الناس أحرارا.

                                                                                                               أبو خالد السماوي

الأربعاء، 11 أبريل 2012

الحسين عليه السلام هو ذبح الله الاعظم


من هو الذبح العظيم ؟ 



(وفديناه بذبح عظيم )الصافات107



المدخل

منذ أن بدأت اقرأ القران الكريم وحين أمر على هذه الآية قوله تعالى (وفديناه بذبح عظيم) وأقارنها بموروثي ألعقائدي هو أن وصف العظمة يقتصر على الكبش الذي فدي به النبي إسماعيل عليه السلام0 أجد لها رفضا فطريا بينا وارى الإطار الوصفي أوسع من الموصوف بكثير وحين نتتبع استعمال المولى تعالى شانه لهذه الصفة في كتابه المقدس نجد أنها إما صفة له جل ذكره كما في قوله تعالى في آية الكرسي ( ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم)البقرة255 أو صفة لنبيه الأكرم حين بلغ مرتبة من الكمال وصفها ب (انك لعلى خلق عظيم) القلم4

أو حين يهدد الخط الإلهي بأمر خطير كما في قوله تعالى        (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)البقرة114 ويتلخص الاستعمال القرآني  إما لوصف الذوات المقدسة  أو عند مجابهة أمر يعترض منهجها القويم.على هذا المنهج الوصفي يسير الخط البياني عند استخدام هذه الصفة في الكتاب العزيز .

فكيف نستوعب أن خلق سيد الكائنات عظيم؟ وكبش ومهما كان طوله وعرضه أيضا عظيم ؟

وقد يرد أن القران قد استخدم هذه الصفة في أمر خارج عن خطك البياني حين وصف كيد النساء بأنه عظيم إذ قال في سورة يوسف(...إن كيدكن عظيم...)يوسف28

جواب الإيراد : نعم استخدم القران الكريم هذه الصفة في هذا المجال ولكن القران كان بصدد ذكر قصة يوسف والمتكلم هو عزيز مصر وهذا الاستعمال من نتاجاته الذهنية ونابع من مستواه الفكري ودائرة تصوره ظنا منه أن انسب استعمال لهذا المقام هو هذه الصفة والقران ناقلا عنه وحسب ونحن بصدد تتبع استعمال المولى لهذه الصفة .

وليس كل ما ينقله المولى تعالى في كتابه عن لسان الأقوام السابقة ننسبه له سبحانه.

أهداف البحث

اخترت حادثة إبراهيم و إسماعيل ع وحادثة كربلاء باعتبارهما من أهم مشاريع التضحية التي ذكرهما التاريخ لنا وقد مثلا اجلى مظاهر الفداء والقربان لله تعالى شانه

ويمكن تصور أهميتهما للأسباب التالية:

1- أهمية وعظمة أصحاب الحدث .

2- أثر الحادثتين التاريخي .

3- البعد الاجتماعي والتربوي لهما .

4- إقدام أصحابها عليها بشكل اختياري

5- تأثير الحادثتين على مجرى مسيرة الخط الديني .

6- سمو ورفعة أهدافهما .

إذ لم يذكر لنا التاريخ مشروعا تضحويا تجتمع فيه هذه الصفات كلها.

وكون الحادثة الأولى من المسلمات الإسلامية وقد اقترنت بمفهوم الفداء العظيم الوارد في الذكر الحكيم وهل يقتصر هذا المفهوم على هذه الحادثة أم هو أوسع من ذلك فيتسع للحادثة الأخرى وأيهما اكبر تضحية وفداء وتأثيرا في تربية البشرية أو لنقل أيهما أعظم ليتناسب ذلك مع وصف

    





         بقلم

الشيخ سفاح صكبان الجابري

  (أبو خالد السماوي)



المولى تعالى لمعنى الفداء المذكور ؟؟ فيكون هو اظهر مصاديق هذا المعنى  هذا

ما نحاول إثباته من خلال تلك الأوراق إنشاء الله تعالى.



                                                                         
( قال تعالى في سورة الصافات ) 

بسم الله الرحمن الرحيم

 والصافات صفا (1)... ان إلهكم لواحد (4)....قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (109 (كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ )الصافات  (صدق الله العلي العظيم)

 ( حديث قدسي )

في العيون عن الرضا عليه السلام  ( قال لما أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام أن يذبح مكان ابنه إسماعيل عليه السلام الكبش الذي أنزل عليه تمنى إبراهيم عليه السلام أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل عليه السلام بيده وأنه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعز ولده بيده فيستحق بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب فأوحى الله عز وجل إليه يا إبراهيم من أحب خلقي إليك قال يا رب ما خلقت خلقا هو أحب إليّ من حبيبك محمد صلى الله عليه وآله فأوحى الله عز وجل إليه يا إبراهيم هو أحب إليك أو نفسك قال بل هو أحب إليّ من نفسي قال فولده أحب إليك أو ولدك قال بل ولده قال فذبح ولده ظلما على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي قال يا رب بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي قال يا إبراهيم إن طائفة تزعم أنها من امة محمد صلى الله عليه وآله ستقتل الحسين عليه السلام ابنه من بعده ظلما وعدوانا كما يذبح الكبش ويستوجبون بذلك سخطي فجزع إبراهيم عليه السلام لذلك فتوجع قلبه وأقبل يبكي فأوحى الله تعالى إليه يا إبراهيم قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل عليه السلام لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين عليه السلام وقتله وأوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب وذلك قول الله عز وجل وفديناه بذبح عظيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم....) [1]

الآراء في معنى الآية:

الاول – على شكل ايراد ورده :

وهو انه اذا كان المراد بالذبح العظيم قتل الحسين ع لا يكون المفدى عنه اجل رتبة من المفدى به فان ائمتنا صلوات اللة عليهم اشرف من اولي العزم ع فكيف من غيرهم مع ان الظاهر من لفظ الفداء التعويض عن الشيء بما دونه في الخطر والشرف .

الجواب:

ان الحسين ع لما كان من اولاد اسماعيل ع فلو كان ذبح اسماعيل ع لم يوجد نبينا ص وكذا سائر الائمة ص فاذا عوض من ذبح ع بذبح واحد من أسباطه وأولاده وهو الحسين فكانه عوض عن ذبح الكل وعدم وجودهم بالكلية بذبح واحد الاجزاء بخصوصه ولا شك ان مرتبة السلالة اعظم واجل من مرتبة الجزء بخصوصه . 1[2]



الثاني -الخصائص الحسينية – التستري :

فقد ورد ان الذبح العظيم هو الحسين ع ولا يلزم كون المفدى اعظم بل المعنى وفديناه بسبب الذبح العظيم الذي يخرج من صلبه . او المعنى انه تبدل فداؤه لربه بفداء اخر اعظم وحصلت هذه المرتبة العظمى من جعل النفس فداء في سبيل اللة للحسين ع.[3]

الثالث – وهو الأنسب –

ورد في تفسير قوله تعالى (وفديناه بذبح عظيم ) يعني الحسين ع وهو لم يفد إسماعيل الذبيح سلام الله عليه كما هو ظاهر السياق. بل وقع السياق في سبيل الله وفي طريق توحيد الله وطاعته،وهو نفس الطريق الذي ذبح من اجله إسماعيل ع وبعث فيه الأنبياء وأرسلت الكتب السماوية .[4]

وعبرنا عن هذا الرأي بالأنسب للوجوه التالية :-

-        كونه اعم مما قبله .

-       انه أدق وأعمق .

-       أكثر انسجاما مع مستوى خليل الله إبراهيم عليه السلام   وما يستهدفه من مرتبة من مراتب التوحيد ( فلما اسلما وتله للجبين ).

 أما وجه العموم فان التوحيد كما يفترض ان نفهمه هو كلية عمل الأنبياء والقادة الإلهيين عموما وكل ما يصدر من تضحيات كبيرها وصغيرها، هي جزئيات لذلك الكلي ويقع بطريق ترسيخ مبادئه، بما في ذلك الأمر بذبح إسماعيل وصلب عيسى ع ونشر يحيى ع وغيرهم كثير من التضحيات العظمى التي وقعت في طريق تدعيم أسس التوحيد على المستوى الشخصي والنوعي،شخصيا نظرا الى كون أصحاب عملية الفداء والتضحية أنفسهم باعتبارهم عبيدا لله ويسعون لنيل تحقيق عبوديته أكثر فأكثر في ذواتهم المقدسة.

ونوعيا باعتبارهم قادة وقدوة بالنسبة الى اتباعهم. اي تعميق معنى التوحيد وبيان قدرة الإنسان على السير في طريقه وقد أدوا ذلك على اكمل وجه. فجزاهم الله عن البشرية خير جزاء المحسنين .فصاحب الرأي الأول وان سلط جهده على بيان الملازمة السببية حسب التسلسل التاريخي لعلاقة الحسين وإسماعيل ع فهو امر عظيم وجليل أكيد الا انه لا تمثل الصورة العامة لمعنى عظمة الفداء بخلاف الأخير فانه كشف عن جوهر العلاقة التي يقع جهود اصحاب عمليات الفداء في طريقها كما عبر هو عن ذلك . اي اعم قاعدة ينتهي اليها ويلتقي عندها جهود الانبياء ص هذا من جهة عمومية الراي الأخير .

اما من جهة دقته وعمقه : ان عمل القادة الإلهيين عموما وحتى ينتهي الى غاية مقصدهم وعند نهاية هدف المولى تعالى من توليتهم وهو (وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون ) لا بد من ان يمر بمراحل وأطوار وكل مرحلة من مراحله سواء على المستوى التاريخي الاجتماعي او على المستوى الشخصي والفردي لها أسبابها الطبيعية والموضوعية المناسبة والمهيأة لما بعدها مكملة بعضها الأخرى فتكون مواقفهم وتضحياتهم علامات لأممهم ومنارا للعباد وموعظة للمهتدين الى هدفهم الأسمى الا وهو العبودية الخالصة لله وحده . وهذا ما انتقل اليه الشهيد الصدر قدس في رايه الثالث مباشرة .

واما من جهة مناسبته لهدف ابراهيم ع . يتضح ذلك من خلال تتبع سيرة ابراهيم ع من بداية حياته حتى خرج تاركا اهله وقومه طالبا ربه ( اني ذاهب الى ربي ) وترحاله بين مصر وفلسطين ناشرا راية التوحيد ومؤسسا له قواعد لم تكن تعرف على مدى الاجيال السابق من عمر البشرية حتى استقر بامر ربه بواد غير ذي زرع رافعا تلك القواعد في البيت العتيق ببكة (حتى نفض عن ذاته كل ما هو دونه ) وحقق بذلك ( ولما اسلما ...) ولم يكتف بذلك حتى كشف لنا المعصوم ص حاله بعد منعه من الذبح  ( قال لما أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام أن يذبح مكان ابنه إسماعيل عليه السلام الكبش الذي أنزل عليه تمنى إبراهيم عليه السلام أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل عليه السلام بيده وأنه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعز ولده بيده فيستحق بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب)الحديث .( وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)البقرة 123 ان كان هذا هو هم ابراهيم ع في بداية حركته وعند اقصى درجة تضحياته وعند وفاته . فمن الحكمة ان يأتي الخطاب محاكيا لهمه وفي مستوى هدفه.

بقي علينا تذليل بعض العقبات:

الاولى- وهي أن الإمام الرضا ع لم يذكر صراحة ان الحسين ع هو فداء للتوحيد بل صرح كون الفداء هو ( قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل عليه السلام لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين عليه السلام وقتله...)الحديث

الجواب: لو تتبعنا طريقة الأئمة ع في كشفهم لكثير من المسائل الاعتقادية والمعاني القرآنية.لوجدنا أنهم ع لم يكشفوا وجه الحقيقة بكامله عن كامل مستوى ذلك الرأي او هذا المعنى بل يعطون معنا يتناسب ومستوى فهم الجيل المعاصر لذلك الرأي وفي نفس الوقت ممكن الاستفادة منه كقاعدة عامة تتناسب مع كل الأزمنة لتكون مدخلا لفهم العقيدة والقران ويتركون فهم ما تبقى على عاتق تكامل الأمة وتطورها الإيماني والعقلي.

ولو تاملنا في حديث الامام الرضا ع لرأينا انه ص  :

1-             ادخل قضية الحسين ع  في معنا تفسير الاية الشريفة.

2-             فتح باب التفاضل بين القضيتين .

3-             رجح قضية الحسين ع على حادثة فداء إسماعيل ع (قال يا رب بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي)الحديث

الثانية- ان القول بهذ الراي مخالف لقواعد العربية وذلك :-

 اولا – هو عدم عود الضمير على الاقرب.

ثانيا – عود الضمير على اكثر من مورد.

الجواب: ان المنع من عود الضمير على غير الاقرب ليس مما اتفق عليه كل علماء العربية فقد اجاز بعضهم رجوع الضمير الى غير الاقرب ان كان هو المحدث عنه .[5]

فان قيل لم يصرح المولى تعالى في هذه الصورة بمعنى التوحيد حتى يرجع الضمير اليه ؟

 وجوابه : لو رجعنا الى صدر السورة المباركة قوله تعالى (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا)(1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) فهو سبحانه يفتتح السورة بالقسم بثلاث ايات وجوابها ان الهكم لواحد وهل هناك تصريح بتوحيده سبحانه اوضح من ذلك وهو المحدث عنه في باقي ايات السورة وهي تشكل السياق العام لها ومن هنا جاز رجوع ضمير (فديناه) الى معنى (التوحيد) في بداية السورة وهو ما جوزه بعض اعلام العربية كما مر. بالاضافة الى ذلك اننا لم نقل ان الضمير في (فديناه) يقتصر في رجوعه الى معنى الوحيد وانما في السياق القريب من السورة يعود على اسماعيل عليه السلام وفي السياق العام للسورة يعود على التوحيد. والعودة الى المعنيين معا مطابق لعلاقة المعنى الثاني للأول وهو الاقرب للضمير باعتبار ان اسماعيل وابراهيم ع يقع عملهما في طريق ترسيخ هذا المعنى المقدس في ذاتيهما المقدستين بدليل قوله تعالى (ولما اسلما..) ومن المعروف ان التسليم لله تعالى هو من المقامات الشامخة في توحيده سبحانه ولما حققا وصدقا معنى قوله تعالى (ان الهكم لواحد ) في ذواتهم المقدسة في مقام التسليم له تعالى جاء النداء الالهي (وفديناه بذبح عظيم )وفي نفس الوقت يعود على المعنى العام وهو المحدث عنه من اول السورة . وفي جواز رجوعه الى اكثر من معنى ان كان مقصدهما واحد فهو نظير قوله تعالى (واللةو ورسوله احق ان ترضوه) فالضمير في قوله تعالى ( ترضوه ) يرجع الى الاثنين لان مقصدهما واحد .[6]

المعنى الرمزي للكعبة 

( تمثل الكعبة ، بنحو الرمز : الوجود الإلهي على الأرض ... ويكون إظهار الإخلاص لها إظهاراً للإخلاص للتوحيد ... ويكون التقرب إليها بالذبح والنحر تقرباً إلى التوحيد الإلهي في عالم المعنى والكمال الروحي والعقلي .

ويكون الدوران حول الكعبة بالطواف وجعلها مركز الإحساس المادي ، رمزاً حياً عن الدوران حول التوحيد وحول الحق الصريح وجعله مركز الإحساس المعنوي ، ومركز النشاط النفسي والاجتماعي .)[7]



البحث:

الآن وقد بدأت مرحلة جديدة للبشرية0 وحان الوقت لتبذر حبة التوحيد في طريق الاجيال. ألان وقد انتهت مرحلة طفولته0

حيث تخصب قلب وعقل الإنسان ليستقبل زرعا مبارك

ليستقبل التوحيد في مرحلته الجديدة  المكان -  واد غير ذي زرع-

إذ صدح أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام معلنا بداية مرحلة جديدة له فأمره المولى تعالى إن يجعل رمزا لتوحيده فباشر ببناء مكة لكي تكون رمزا تجسيديا لذلك التوحيد. وان الرمز يشبه المرموز إليه والكعبة رمز للتوحيد –كما مر- فلا يكتمل التوحيد خالصا لله إلا بوجود فداء له ليكون منارا وضياءا يستنير به السائرون على نهجه العادل وكذالك الرمز المادي أي الكعبة لا يستقيم بنائها إلا بوجود فداء. وهذا ما نرجوه نحن اليوم بذبحنا للفداء عندما ننشأ بيتا جديدا .

عندها رأى إبراهيم ع في المنام انه لا يستقيم بنائك المعنوي -التوحيد- والمادي- الكعبة- ولا ترقى بكمال توحيد اللة على المستوى الشخصي والنوعي إلا بوجود فداء لهما وفدائهما هو ذبح ولدك ( وجعلناها كلمة باقية في عقبه...)الزخرف28  ولما هم  بذبح ولده المباشر إسماعيل عليه السلام جاء النداء الإلهي أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ونجحت في الابتلاء الإلهي المبين ولا تذبح ابنك فانا فديناه بكبش: إما البناء الحقيقي التوحيد فقد فديناه بذبح عظيم. وأنه من ذريتك كما تحب (وسيأتي في محله العلة التي يحتاج التوحيد فيها إلى فداء .

 ألان لا بد من السؤال عن ذلك القدوة والفدائي أو قل فدائي التوحيد المطلق الذي يستحق وصف المولى له بالعظيم ؟

إذ يبقى قلق الخليل على زرعه  ولا بد له من حارس أمين يتعهد له بضمان الحفاظ عليه عبر السنين والأجيال ويحميه من أئمة الجور والظلال. حتى ضاق بذالك ذرعا فتوجه إلى ربه متضرعا فقد كانت رغبته عليه السلام أن لا يخرج ذالك الأمر عن ذريته حيث قال حين بشر بالإمامة (..ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) البقرة124

  من يا ترى سيتكفل بأعباء  هذه المهمة ؟

لو رجعنا كثيرا إلى الوراء ووقفنا في بداية حركة الإنسان على الكوكب بشرط أن يكون لدينا تصور عما جرى من أحداث على العالم في المستقبل ونعلم ما سوف تمر به البشرية من ويلات وماسي وتعانيه من ظلم وجور وقهر وكذلك نعلم بكل المسارات الخاطئة التي تحاول الميل بالركب البشري عن جادة العدل   ثم نسأل من يستطيع أن يوقف هذا الانحراف؟قطعا سوف ينهض الأحرار من كل امة ليضعوا خططهم كلا حسب استطاعته وزمانه ومكانه ونوع الظلم والانحراف الذي يواجهه0وهذا ما عليه كل المصلحين في كل العصور0ولكن ما نريده هو شخص اخر.شخص استوعب مفاصل العدل الإلهي وله القابلية أن يرقى إلى مراتب الكمال الإنساني بكل دقائقها   شخص لديه قدرة عالية جدا على فهم الطبع البشري ويعلم إلى أي مدى ممكن ان يصل إليه من القسوة والإجرام والبطش والجبروت  ثم يختار أنموذجا جامعا لكل تلك الصفات البشعة ويحمل على كفيه كل ما ومن ينتمي إلى قلبه الطاهر ما خلا مبادئه ويضعه بكل صدق وصبر وثبات أمام مسير هذه العجلة الظالمة الغاشمة، ليتحول استنصاره ناقوسا يصك إسماع الظالمين عبر الأجيال ليفهموا هذه الحقيقة المرة0 أن للمظلوم أسلحة متعددة ولديه طاقات لا يمكن السيطرة عليها0 وتتحول دمائه وأحبائه إلى شرايين تنضب في قلوب الأحرار وعلى مر العصور.

إننا نبحث عن:  إنسان يفني كل شيء لنصرة المنهج الإنساني الحق إننا نبحث عن             قدوة وفداء

 قدوة : يحتذي به المستضعفون ويضرب لهم مثالا واقعيا بمواجهة الظلم بأقسى صوره.

وفداء : للمنهج العادل الكامل الذي يتغلغل في دقائق الكون ولطائفه بشكل لا متناهي وما ذلك إلا لبراعة أنامل الخبير القدير إذ خطها بريشة لطفه وحكمته وأمر عباده بالسير على ذلك النهج وصولا إلى كمال معرفته وجعل قادة وإدلاء عليه ليعصموا الناس من الانحراف عنه0     

ينتج من هذه المقدمة بالإضافة إلى الرواية عدة أمور يمكن إن تخرج هذا الرأي إلى دائرة التصور المعقول:

أن هناك وجه آخر لفهم معنى الذبح العظيم0 ورؤيا أخرى للمفتدى له :

أ- الذبح هو إسماعيل ع فداء لبيت الله(مكة)0

ب-الذبح هو الكبش المنزل فداء لإسماعيل ع0

ج- الفداء هو الجزع على الحسين ع المفتدى له هو جزع إبراهيم ع على إسماعيل ع.

د- الفداء هو الحسين ع المفتدى له هو إسماعيل ع .

ونبقي الآن باب زيادة الرؤى مفتوحا لعلنا نعين خليل الله ع في مهمة اختيار فدائيه المختار للحفاظ على شجرة التوحيد0 ألان قد صرح لسان القدس على لسان المعصوم ع  دخول الحسين عليه السلام في سلسلة قصة الفداء رغم البعد الزمني عن وقوع هذه الحادثة وصرح أيضا بفتح باب التفاضل بينهما وترجيح كفة قضية الحسين ع .

وما ذلك إلا إشارة إلى سيناريو المسلسل الكبير الذي امتدت حلقاته من بدء الخليقة بل من اجله وجد الخلق اجمعين (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون) الذاريات56 أنها قصة التوحيد .

وقبل الدخول في عملية التفاضل لابد من الإشارة بشكل مختصر إلى المراحل التاريخية للتوحيد،ونحاول إن نميز بين هذه المفاهيم المباركة -الفداء والمفتدى له -  ونجعل كل واحدة إزاء المرحلة التاريخية باعتبار تأثيرها التربوي في تكامل البشرية ووفق قاعدة العدل وضع الشيء في موضعه وقاعدة أن للقران أكثر من معنى[8] اختيار المصداق الأكثر تناسبا والأوسع تطبيقا مع مفهوم (الذبح العظيم) الوارد في الذكر الحكيم ليكون هو أعلى مراتب معنى الفداء ،ووفقا للتقسيم الثلاثي للتاريخ فانه قد مر بثلاث مراحل أساسية :

المرحلة الأولى- ما قبل إبراهيم ع0وتعتبر هذه المرحلة مرحلة حضانة ولازال العقل البشري متعلقا بالأسباب القريبة منه والمحسوسة لديه ولا يتجرا برفع بصره إلى ابعد من ذلك وهذا واضح من خلال ردود أفعال المجتمعات تجاه أنبيائها
ومصلحيها حتى وصل الدور لنبي الله إبراهيم عليه السلام

المرحلة الثانية-  مرحلة ما بعد إبراهيم ع : أعطى إبراهيم ع بعدا جديدا للتوحيد ونقل مستوى التعامل معه إلى مرحلة إمكان التعامل والثقة بالغيب وان هذا الغيب يستحق التضحية الاختيارية حتى وان كان بذبح وحيده وعزيزه إسماعيل ع وإيذانا باستقبال النبوات الشاملة وترويض العقول والقلوب للمرحلة القادمة.

 المرحلة الخاتمة -مرحلة ما بعد الرسالة الخالدة0ثم دور خاتم النبيين وسيد المرسلين صلوات الله عليه واله إذ جاء بهديته العظمى وما فيه خير البشرية جاء بالرسالة الكاملة والخاتمة وهي مرآة لتجارب كافة الأنبياء ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ .... }المائدة48 ومنهاجا تربويا متكاملا للتوحيد والحياة واقصد منهاجا ليس نظريا وحسب بل تطبيقيا أيضا إذ اصطنع واصطفى رب الرسالة خير بريته لأداء هذه المهمة الجليلة  رحمة منه ومراعاة للطبع البشري والذي من انجح أساليب تأثره وتربيته هو وجود قدوة ومثلا أعلى يهديه إلى ما يدعى إليه من صراط الحق والمنطبق تماما مع ما جبلت عليه فطرته وتلك ثلاث حجج كاملة. ومن المعلوم إن الإنسان ينطوي على شقي من القابلية الخير والشر السلب والإيجاب الظلال والهدى (وهديناه النجدين )البلد 10 وقد خير بينهما، ومهمة قادة الحق هي دعوتهم إلى ما يحييهم وتارة تكون هذه الدعوة مباشرة وأخرى غير مباشرة وأما الأولى كان يكون الإنسان متجها إلى طريق الصواب فسوف تؤثر به الدعوة المباشرة وأما الأخرى ما إذا تقاعس الفرد أو انحرف أو قهر على ترك المسير باتجاه هدفه بما في ذلك دفع الضيم والحيف الذي يمارسه أئمة الظلال ضد أبناء بني البشر فبالإضافة إلى الإرشاد النظري يبرز دور التجسيد العملي لذالك المنهج لتحفيز ضمير الأفراد للانتفاض بوجه كل الموانع والحواجز التي تحول دون هدفهم سواء في التوحيد أوفي الحياة الحقيقية المنسجمة مع التوحيد من هنا يبرز دور عملية الفداء العظيمة المتزامنة مع الشريعة العظيمة والمشحونة بأعظم مراتب التوحيد0 وهل توجد لوحة فداء أبرع مما رسمه الحسين ابن علي ع في رائعته على صفحة كربلاء؟

وقد يرد على ذالك أمران :

أولا- بان يكون دور الإمام ع والمصلحين هو دور ثانوي في مسيرة التوحيد.

جواب :

لو دققنا في النسبة الحقيقية للذين يحتاجون إلى مصلحين لوجدنا انها دائما هي الغالبة في كل كتلة اجتماعية فهم اما منحرفون او مظللون(بفتح اللام) او متهاونون او امة مقهورة ومغلوبة على أمرها الا ما ندر نجد بين الفينة والأخرى بحبوحة عدل نسبي في زاوية من زوايا العالم ونستثني من ذلك أيضا بعض الفترات والمتباعدة زمانا أقيم فيها العدل وكان روادها وقادتها ممن استوعبوا معنى العدل الإلهي وما ذلك إلا لاظهار معنى العدل المستمد من السماء لطمأنة الإنسان في  مصدره ،ودونك قول اللة تعالى ( ...وقليل من عبادي الشكور)سبا13

وقوله (...واكثرهم للحق كارهون )المؤمنون70 وقول امير المؤمنين عليه السلام في خطبة له (اضرب بطرفك حيث شئت من الناس فَهَلْ تُبْصِرُ إِلاَّ فَقِيراً يُكَابِدُ فَقْراً أَوْ غَنِيّاً بَدَّلَ نِعْمَةَ اَللَّهِ كُفْراً أَوْ بَخِيلاً اِتَّخَذَ اَلْبُخْلَ بِحَقِّ اَللَّهِ وَفْراً أَوْ مُتَمَرِّداً كَأَنَّ بِأُذُنِهِ عَنْ سَمْعِ اَلْمَوَاعِظِ وَقْراً... ) [9]وانظر الى العالم ألان بين يديك فقد حجبت أمم بكاملها عن منابع التشريع الحقيقية وصنع لها مرجعيات مزيفة واجتهد أئمة الضلال بدعم ذلك التزييف بغية صرف قلوب وعقول العامة عن تذوق طعم عدل السماء مخافة ان يقارن أولئك المساكين ذلك العدل مع ممارساتهم القبيحة والبعيدة كل البعد عما رسمته السماء ومن أبشع تلك المرجعيات المزيفة وأكثرها تأثيرا على عواطف الناس( الصحبة المزعومة للنبي ص)

 (الشورى ) وغيرها0والحرية وحقوق الإنسان وأظلوا وظلموا الناس بشعارات وضعت في الأساس لهدايتهم وإقامة العدل فيهم0وكم هي نسبة الفقر والجرائم و الحروب الظالمة  وكم عدد الأنظمة والأفراد المتسلطين على رقاب مليارات من البشر وكم عدد الجائعين واليتامى والأرامل وكم نسبة المساعدات والمعونات المقدمة لهم0! الا قليلا ويعطى بمن ولؤم ولاجل تدعيم سلطان الظلمة والمتكبرين، فهل ترى بعد ذالك دورا لمصلح ؟

والإيراد الثاني- ان المستفيد الوحيد من نهضة الإمام ع هم من دون خط العدل ولا ينتفع بها الأخيار من البشر والذين في الأساس هم سائرون على جادة العدل :

جواب:

 اولا-  ان الإفراد والمجتمعات ليسوا اما معصومين بالمطلق او منحرفين بالمطلق0 ونحن كلنا نعلم بالوجدان ان الأغلبية الساحقة هي بين ذلك وان كان هدفهم الحقيقي هو الوصول الى مرتبة العصمة المكتسبة ولأجل ذلك قدمت التضحيات الكبيرة والكثيرة الا اننا لسنا في ذلك الزمان0                              

 ثانيا- اننا لم نقل ان المنحرفين هم فقط من ينتفعوا بتلك النهضات بل هناك المقهورين والمغلوب على أمرهم ولعل فيهم من يكون خيرة العدول والمؤمنين . 

ثالثا -  بالإضافة الى المراتب العليا من العدل ومن تدرج في مراتبه يرى ذلك امر نسبي فكلما ارتقى فيه مرتبة راى ما دونها ظلما بالنسبة الى ما هو عليه فيحتاج الى لسان صدق وشاهد حقيقة ومثالا عمليا اعلى ليحطم به كل علائقه الممكنة فسوف يجد الحسين ع نصب عيني بصيرته  ليحطم به ذلك الظلم الباطني ويرقى في مراتب العدل .





التفاضل بين الحادثتين :-

وإذا قارنا بين قضية إبراهيم وسماعيل عليهما السلام وقضية الحسين عليه السلام سنجد بينهما تشابها كبيرا مع وجود فوارق ضمنية  بالكم والكيف :

1-إن الحسين ع اصطحب معه من ينتمي إلى قلبه الطاهر وكذلك إبراهيم ع.

2- توجه ابراهيم ع الى ارض جرداء وكذلك الحسين ع ,.

3-توجه الحسين ع الى ارض غربة وكذلك ابراهيم ع  .

4- اصابة اهل ابراهيم ع  بالهلع والخوف والجوع والعطش وكذلك الحسين ع .

5-وكلاهما تركا أحبائهما في ظروف قاسية ورحلاز

6-دخول مكة في تفاصيل الحادثتين .

7-التأثير الجوهري لرحلتيهما على مجرى رحلة التوحيد0وما يترتب من نتائج إلهية عظمى .

8-توافد اعداد كبيرة جدا من أتباع أصحاب الحادثتين على محل عملية الفداء .وهذا القانون الذي كشف عنه الله تعالى عمليا حين اجاب دعوة خليله حين دعاه ( واجعل افئدة من الناس تهوي اليهم )

9- تجديد الولاء لله تعالى بذكرى الحادثتين في نفس اليوم (العاشر ) في شهر حرام وكذلك ظهور متمم دعوة الاولين والاخرين ارواحنا لمقدمه الفداء في نفس اليوم وفي ذات المكان (والفجر "وليال عشر)الفجر 1-2)

حيث يجدد المسلمون عهدهم مع بارئهم باستذكارهم فداء ابراهيم ع بولده في العاشر من ذي الحجة الحرام .وإحياء أنصار الحسين ع في العاشر من محرم الحرام ذكرى شهادته وفدائه ومن المفارقات اللطيفة ان اكبر حشد وتجمع مستمر للمسلمين بل في العالم كله هو في زمان ومكان حدوث تلك العمليتين ،مكة المكرمة وكربلاء المقدسة ،مكان فداء اسماعيل والحسين ص. وهي اجابة دعوة الخليل (..واجعل افئدة من الناس تهوي اليهم..)ابراهيم37

  الفوارق الضمنية:

اولا- حجم المأساة:  تنوع الطبقات الاجتماعية المشاركة في أحداث كربلاء وما لذلك من انعكاس مهم على أصناف الفئات  المماثلة لها إذ لم يترك الحسين ع نوع علاقة ممكنة إلا وادخلها في ركبه المبارك ليس ذلك وحسب بل عمد إلى كل نوع من هذه العلائق وعدده من عدة فئات مثلا عدد من الإخوة وبأعمار متفاوتة وعدد من الأولاد ابتدئا بالرضيع وانتهاء بالسجاد ع وعدد من البنات أيضا بأعمار متفاوتة وزوجاته وكم هائل من أبناء الإخوة والأخوات وثلة من خلاصة أصحابه وقد قطعوا أمام عينيه وبين يديه ويسمع صوت أطفاله وأيتام أصحابه تأن من العطش والجوع ويعلم ما سيجري على مخدراته بعد قليل وكل الم ذلك اعتبره في جانب وفي جانب آخر هو علمه بمقتله وبتلك الطريقة المأساوية أمام أنظار أطفاله وبناته ونعلم ذلك في أنفسنا لو خير احدنا بين عدة أشكال من الألم أو أن يعتدي عليه أمام عائلته قطعا لا نختار الصورة الأخيرة أبدا لما يتركه ذلك من اثر بالغ في نفوسهم0   وانه سوف يفارقهم والى الأبد بشهادته بعد قليل0 وكل ذلك  حصل في ساعات قليلة0 فتصور كم ترك هذا المشهد المرعب من الم في قلب الإمام الحسين عليه السلام  ؟ بخلاف إبراهيم ع لم يكن معه إلا ابنه إسماعيل ع وزوجته هاجر 0إن الذي حصل وفي مورد المقارنة هي قضيتان الأولى –الترك- في واد غير ذي زرع0 والثانية الابتلاء بالذبح 0وان الحادثتان لم تقعا في زمانا واحد بل بفارق سنين طويلة وهذا ما يخفف اثر ألمهما على قلبه0 إن الخليل ع لم يرى عائلته تتألم من العطش أو الجوع وانه سوف يعود إليهم بعد حين مع احتمال عدم تعرضهما لسوء0 وتركهم وهو سالم معافى ولم يكن هناك رد فعل مأساوي من عائلته من هذه الناحية على العكس كان هذا يبعث في نفوسهم الأمل برجوعه 0 إما قضية الذبح نعم فقد اجتاز إبراهيم ع ذلك الاختبار بصورة رائعة جدا ولكن الذبح على أيدي الأعداء اشد إيلاما كما صرح هو في حديث الإمام الرضا ع

 ( .... قال فذبح ولده ظلما على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي قال يا رب بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي ...)بالإضافة إلى عدم تحقق الذبح بصورة فعلية وافتداء إسماعيل ع في القصة المذكورة0 لا يبقى أدنى شك أن إحداث كربلاء أعظم من ناحية البعد العاطفي وعمق تأثيرها على طبقات واسعة للمجتمع وبالتالي أنعاكسها التربوي عليهم.

ثانيا- إلاعلان عن الاهداف

 ما أن بدأ الإمام الحسين عليه السلام برحلته المباركة حتى أفصح عن أهداف ثورته الخالدة وهذه بعض منها حيث قال ع (لم اخرج أشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا إنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي رسول الله صلى الله عليه واله أمر بالمعروف وأنهى عن المنكر)وقال ع (يزيد شارب للخمر قاتل النفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله ) وقال ما معناه (من لحقني استشهد ومن يلحقني لم يدرك الفتح) وقال صلوات ربي عليه(كان بأوصالي هذه تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء...) إما إبراهيم عليه السلام فقد ذكر القران الكريم وتحديدا فترة تعاطيه مع أحداث مكة وهي موضوع المقارنة ذكر أمرين مهمين في الجانب التوحيدي وهما الأول ذهابه إلى ربه حيث قال ع (وقال إني ذاهب إلى رب  سيهدين )الصافات99 أي التوكل المطلق والثاني التسليم المطلق لأمر الله تعالى إذ قال (ولما اسلما تله للجبين) وأما البعد الاجتماعي فالتأثير المباشر يكاد ينحصر في إبراهيم ع وزوجته وولده إسماعيل ع وإما من عاصرهم والذين يعنيهم أمرهم من المؤكد له تأثير ايجابي ولكن لا أتصور أنها تعدت عدة أجيال وإلا لوصلت ألينا من غير القران الكريم ولو كان التأثير مهما ومعتدا به لما أهمله القران في قصته.  [10]

ثالثا-الأهمية الزمانية:قد علمنا أن التوحيد سلسلة متكاملة ومترابطة وقد مر في ادوار من النمو والتكامل ومنها ما هو جوهريا وأساسي في حركته عبر الأجيال وبداية ظهوره بصورته الكاملة على يد سيد المرسلين وجاءنا في طيات شريعته الخالدة 0لا يبقى ادني شك أن عين تنبع من قلب خاتم النبيين ومولود يأتي من رحم شرعته الغراء0أي يأتي في زمن التوحيد الكامل وامتدادا للشريعة الكاملة ومتمما لدور صاحبها وفي حقبة زمنية لها تلك الأهمية الاجتماعية والثقافية ويحمل هذه الأهداف وبسعة وحجم تضحية كربلاء يكون أكثر أهمية من حيث التأثير التربوي على مستوى التوحيد والحياة للبشرية0اذ جسد صلوات الله عليه كل ظلامات العالم وبكل أصنافها وبأقسى صورة ممكنة وجسد أيضا كل المفاهيم الطيبة والتي تبعث على الحياة الحقيقية كالتضحية والإيثار والحب والسلام والحرية والعبودية الخالصة لله والى أقصى حد ممكن.ولهذا السبب ارتدت اقلام الواصفين معترفة بعجزها وحيرتها عن الاحاطة بوصف حقيقة نهضته0 والا كيف يستطيع عقل بشري ان يدرك( رجل يبكي على رضيعه قد ذبح بين يديه وبعد لحظات يبكي على قاتليه)...فكلما حاول المتتبع ان يدرك بالفاضه وكتاباته معنى ثورته توارى ذالك المعنى خلف حقيقتها0 وكلما هم الراغبون لمس تلك الحقيقة تلاشت في قلب صاحبها الممزق. وان علت همة العارفين للولوج الى ذلك القلب الكبير سيجدوا أنفسهم أمام رب الأرباب ولا عجب في ذلك لان ذلك الفدائي العظيم ذاب وفني في الله الواحد الأحد 0ونحن نقرا في زيارته ع السلام على باب الله الذي منه يؤتى.وقولهم ع من أراد الله بدا بنا وقول المعصوم ع سفينة الحسين أسرع وأوسع.

مقدمة الخلاصة

لا شك ان اوسع نعمة تفضل بها المولى تعالى على الممكنات هي نعمة الوجود وجعل قوانين تحكم موجوداته وجعل تلك القوانين بعضها حاكم على بعض ولكل منها سبيله ومنهاجه وهدى من شاء الى سبيله وتفضل على خلقه باقدس واعظم ما في ذلك الوجود بل لاجله وجد الوجود وهي نعمة التوحيد وهيأ له من يحرسه ويفتديه من انبياء ورسل حتى جاء دور النبي محمد صلى اللة عليه واله متمما للأديان وخاتما لرسالات ربه حاملا ومجسدا لكتاب اللة اذ نطق ذلك الكتاب بلسان كل تلك القوانين الدنيا منها والعليا (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)النحل 89 وهو الدليل الكامل للدين الكامل ثم التوحيد الكامل. أترى من كانت تلك صفته ومسيطرا بقيوميته على تلك القوانين المتعددة والمتفاوتة  حين يصدر أمرا بكتابه الكريم اليس من العدل والحكمة والرحمة ان يهيئ كل مقدمات تحقيقه ومن اهم تلك المقدمات وجود مثلا اعلى في الفداء كما مر عليك لحماية تلك الجوهرة المقدسة(التوحيد) ضمانا لتحقيق امره  ولكن كل يفهم ذلك الامر حسب مستوى القانون الذي يعيشه واقصد هنا بالقانون المرحلة الإيمانية والمستوى الكمالي الذي يمر به الانسان.

الخلاصة

- أعظم ما في الوجود التوحيد...

- الله تعالى يريد لخلقه بلوغ اعلى مراتبه...

- من الحكمة والعدل والرحمة تهيئة المقدمات...

- ومن أهمها وجود قدوه ومثلا أعلى يفتدي الهدف الالهي...

- وجود قابلية لدى الانسان على تأخير ذلك الهدف...

- تحقق التأخير فعلا ...

- اختيار القدوة في زمان ومكان ومنهجا يضمن تحقق أهداف الفداء ...

- المنهج هي الرسالة التي تتضمن اعلى مراتب التوحيد (الدين الإسلامي)...

- الزمان بداية تحقق الانحراف عن ذلك المنهج...

- المكان   -كربلاء-  ...

- صاحب الرسالة يسلط الأضواء على سبطه ويدعوا لمودته ...

- الحسين يذبح فداءا لدين جده ...

- تحقق الاقتداء بعملية الفداء ...

- تنزه وبقاء دين التوحيد العظيم  بفداء الحسين العظيم ..

-  وذلك قول الله تعالى (وفديناه بذبح عظيم )

 وانه من ذرية إبراهيم و إسماعيل عليهما السلام0

والحمد لله ذي المنة والسلام    على وليه الأعظم (عج)



المصادر



1-القران الكريم



2-نهج البلاغة



3-اضواء على ثورة الامام الحسين ع



4-فقه الاخلاق



5-الخصائص الحسينية



6- العوالم –الامام الحسين ع



7-همع الهامع



8- البحر –للزمخشري



9-كنز العمال





[1] عيون اخبار الرضا ع ج1 ص209
[2] العوالم الامام الحسين ، الشيخ عبدلللة البحراني ص106
[3] الخصائص الحسينية ، التستري
[4] الشهيد محمد صادق الصدر، اضواء على ثورة الامام الحسين ع ص74
[5] السيوطي ،همع الهامع ج1 ص65  ان الضمير في (ذريته)في قوله تعالى (ووهبنا له اسحاق ويقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب)يعود على ابراهيم ع لانه هو المحدث عنه من اول القصة ونقل مثل ذلك ابو حيان عن التبريزي.
[6] الزمخشري، البحر ج7 ص528
[7] الشهيد محمد صادق الصدر، فقه الاخلاق ج2 ص136
[8] في خطبة مروية عن النبي ص يقول فيها (.. له ظهر وبطن فظاهره حكم وبانه علم ،لا تحصى عجائبه ولا يشبع منه علمائه ، كنز العمال ج2ص186.
[9] نهج البلاغة خطبة 125