الأربعاء، 11 أبريل 2012

الحسين عليه السلام هو ذبح الله الاعظم


من هو الذبح العظيم ؟ 



(وفديناه بذبح عظيم )الصافات107



المدخل

منذ أن بدأت اقرأ القران الكريم وحين أمر على هذه الآية قوله تعالى (وفديناه بذبح عظيم) وأقارنها بموروثي ألعقائدي هو أن وصف العظمة يقتصر على الكبش الذي فدي به النبي إسماعيل عليه السلام0 أجد لها رفضا فطريا بينا وارى الإطار الوصفي أوسع من الموصوف بكثير وحين نتتبع استعمال المولى تعالى شانه لهذه الصفة في كتابه المقدس نجد أنها إما صفة له جل ذكره كما في قوله تعالى في آية الكرسي ( ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم)البقرة255 أو صفة لنبيه الأكرم حين بلغ مرتبة من الكمال وصفها ب (انك لعلى خلق عظيم) القلم4

أو حين يهدد الخط الإلهي بأمر خطير كما في قوله تعالى        (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)البقرة114 ويتلخص الاستعمال القرآني  إما لوصف الذوات المقدسة  أو عند مجابهة أمر يعترض منهجها القويم.على هذا المنهج الوصفي يسير الخط البياني عند استخدام هذه الصفة في الكتاب العزيز .

فكيف نستوعب أن خلق سيد الكائنات عظيم؟ وكبش ومهما كان طوله وعرضه أيضا عظيم ؟

وقد يرد أن القران قد استخدم هذه الصفة في أمر خارج عن خطك البياني حين وصف كيد النساء بأنه عظيم إذ قال في سورة يوسف(...إن كيدكن عظيم...)يوسف28

جواب الإيراد : نعم استخدم القران الكريم هذه الصفة في هذا المجال ولكن القران كان بصدد ذكر قصة يوسف والمتكلم هو عزيز مصر وهذا الاستعمال من نتاجاته الذهنية ونابع من مستواه الفكري ودائرة تصوره ظنا منه أن انسب استعمال لهذا المقام هو هذه الصفة والقران ناقلا عنه وحسب ونحن بصدد تتبع استعمال المولى لهذه الصفة .

وليس كل ما ينقله المولى تعالى في كتابه عن لسان الأقوام السابقة ننسبه له سبحانه.

أهداف البحث

اخترت حادثة إبراهيم و إسماعيل ع وحادثة كربلاء باعتبارهما من أهم مشاريع التضحية التي ذكرهما التاريخ لنا وقد مثلا اجلى مظاهر الفداء والقربان لله تعالى شانه

ويمكن تصور أهميتهما للأسباب التالية:

1- أهمية وعظمة أصحاب الحدث .

2- أثر الحادثتين التاريخي .

3- البعد الاجتماعي والتربوي لهما .

4- إقدام أصحابها عليها بشكل اختياري

5- تأثير الحادثتين على مجرى مسيرة الخط الديني .

6- سمو ورفعة أهدافهما .

إذ لم يذكر لنا التاريخ مشروعا تضحويا تجتمع فيه هذه الصفات كلها.

وكون الحادثة الأولى من المسلمات الإسلامية وقد اقترنت بمفهوم الفداء العظيم الوارد في الذكر الحكيم وهل يقتصر هذا المفهوم على هذه الحادثة أم هو أوسع من ذلك فيتسع للحادثة الأخرى وأيهما اكبر تضحية وفداء وتأثيرا في تربية البشرية أو لنقل أيهما أعظم ليتناسب ذلك مع وصف

    





         بقلم

الشيخ سفاح صكبان الجابري

  (أبو خالد السماوي)



المولى تعالى لمعنى الفداء المذكور ؟؟ فيكون هو اظهر مصاديق هذا المعنى  هذا

ما نحاول إثباته من خلال تلك الأوراق إنشاء الله تعالى.



                                                                         
( قال تعالى في سورة الصافات ) 

بسم الله الرحمن الرحيم

 والصافات صفا (1)... ان إلهكم لواحد (4)....قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (109 (كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ )الصافات  (صدق الله العلي العظيم)

 ( حديث قدسي )

في العيون عن الرضا عليه السلام  ( قال لما أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام أن يذبح مكان ابنه إسماعيل عليه السلام الكبش الذي أنزل عليه تمنى إبراهيم عليه السلام أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل عليه السلام بيده وأنه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعز ولده بيده فيستحق بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب فأوحى الله عز وجل إليه يا إبراهيم من أحب خلقي إليك قال يا رب ما خلقت خلقا هو أحب إليّ من حبيبك محمد صلى الله عليه وآله فأوحى الله عز وجل إليه يا إبراهيم هو أحب إليك أو نفسك قال بل هو أحب إليّ من نفسي قال فولده أحب إليك أو ولدك قال بل ولده قال فذبح ولده ظلما على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي قال يا رب بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي قال يا إبراهيم إن طائفة تزعم أنها من امة محمد صلى الله عليه وآله ستقتل الحسين عليه السلام ابنه من بعده ظلما وعدوانا كما يذبح الكبش ويستوجبون بذلك سخطي فجزع إبراهيم عليه السلام لذلك فتوجع قلبه وأقبل يبكي فأوحى الله تعالى إليه يا إبراهيم قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل عليه السلام لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين عليه السلام وقتله وأوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب وذلك قول الله عز وجل وفديناه بذبح عظيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم....) [1]

الآراء في معنى الآية:

الاول – على شكل ايراد ورده :

وهو انه اذا كان المراد بالذبح العظيم قتل الحسين ع لا يكون المفدى عنه اجل رتبة من المفدى به فان ائمتنا صلوات اللة عليهم اشرف من اولي العزم ع فكيف من غيرهم مع ان الظاهر من لفظ الفداء التعويض عن الشيء بما دونه في الخطر والشرف .

الجواب:

ان الحسين ع لما كان من اولاد اسماعيل ع فلو كان ذبح اسماعيل ع لم يوجد نبينا ص وكذا سائر الائمة ص فاذا عوض من ذبح ع بذبح واحد من أسباطه وأولاده وهو الحسين فكانه عوض عن ذبح الكل وعدم وجودهم بالكلية بذبح واحد الاجزاء بخصوصه ولا شك ان مرتبة السلالة اعظم واجل من مرتبة الجزء بخصوصه . 1[2]



الثاني -الخصائص الحسينية – التستري :

فقد ورد ان الذبح العظيم هو الحسين ع ولا يلزم كون المفدى اعظم بل المعنى وفديناه بسبب الذبح العظيم الذي يخرج من صلبه . او المعنى انه تبدل فداؤه لربه بفداء اخر اعظم وحصلت هذه المرتبة العظمى من جعل النفس فداء في سبيل اللة للحسين ع.[3]

الثالث – وهو الأنسب –

ورد في تفسير قوله تعالى (وفديناه بذبح عظيم ) يعني الحسين ع وهو لم يفد إسماعيل الذبيح سلام الله عليه كما هو ظاهر السياق. بل وقع السياق في سبيل الله وفي طريق توحيد الله وطاعته،وهو نفس الطريق الذي ذبح من اجله إسماعيل ع وبعث فيه الأنبياء وأرسلت الكتب السماوية .[4]

وعبرنا عن هذا الرأي بالأنسب للوجوه التالية :-

-        كونه اعم مما قبله .

-       انه أدق وأعمق .

-       أكثر انسجاما مع مستوى خليل الله إبراهيم عليه السلام   وما يستهدفه من مرتبة من مراتب التوحيد ( فلما اسلما وتله للجبين ).

 أما وجه العموم فان التوحيد كما يفترض ان نفهمه هو كلية عمل الأنبياء والقادة الإلهيين عموما وكل ما يصدر من تضحيات كبيرها وصغيرها، هي جزئيات لذلك الكلي ويقع بطريق ترسيخ مبادئه، بما في ذلك الأمر بذبح إسماعيل وصلب عيسى ع ونشر يحيى ع وغيرهم كثير من التضحيات العظمى التي وقعت في طريق تدعيم أسس التوحيد على المستوى الشخصي والنوعي،شخصيا نظرا الى كون أصحاب عملية الفداء والتضحية أنفسهم باعتبارهم عبيدا لله ويسعون لنيل تحقيق عبوديته أكثر فأكثر في ذواتهم المقدسة.

ونوعيا باعتبارهم قادة وقدوة بالنسبة الى اتباعهم. اي تعميق معنى التوحيد وبيان قدرة الإنسان على السير في طريقه وقد أدوا ذلك على اكمل وجه. فجزاهم الله عن البشرية خير جزاء المحسنين .فصاحب الرأي الأول وان سلط جهده على بيان الملازمة السببية حسب التسلسل التاريخي لعلاقة الحسين وإسماعيل ع فهو امر عظيم وجليل أكيد الا انه لا تمثل الصورة العامة لمعنى عظمة الفداء بخلاف الأخير فانه كشف عن جوهر العلاقة التي يقع جهود اصحاب عمليات الفداء في طريقها كما عبر هو عن ذلك . اي اعم قاعدة ينتهي اليها ويلتقي عندها جهود الانبياء ص هذا من جهة عمومية الراي الأخير .

اما من جهة دقته وعمقه : ان عمل القادة الإلهيين عموما وحتى ينتهي الى غاية مقصدهم وعند نهاية هدف المولى تعالى من توليتهم وهو (وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون ) لا بد من ان يمر بمراحل وأطوار وكل مرحلة من مراحله سواء على المستوى التاريخي الاجتماعي او على المستوى الشخصي والفردي لها أسبابها الطبيعية والموضوعية المناسبة والمهيأة لما بعدها مكملة بعضها الأخرى فتكون مواقفهم وتضحياتهم علامات لأممهم ومنارا للعباد وموعظة للمهتدين الى هدفهم الأسمى الا وهو العبودية الخالصة لله وحده . وهذا ما انتقل اليه الشهيد الصدر قدس في رايه الثالث مباشرة .

واما من جهة مناسبته لهدف ابراهيم ع . يتضح ذلك من خلال تتبع سيرة ابراهيم ع من بداية حياته حتى خرج تاركا اهله وقومه طالبا ربه ( اني ذاهب الى ربي ) وترحاله بين مصر وفلسطين ناشرا راية التوحيد ومؤسسا له قواعد لم تكن تعرف على مدى الاجيال السابق من عمر البشرية حتى استقر بامر ربه بواد غير ذي زرع رافعا تلك القواعد في البيت العتيق ببكة (حتى نفض عن ذاته كل ما هو دونه ) وحقق بذلك ( ولما اسلما ...) ولم يكتف بذلك حتى كشف لنا المعصوم ص حاله بعد منعه من الذبح  ( قال لما أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام أن يذبح مكان ابنه إسماعيل عليه السلام الكبش الذي أنزل عليه تمنى إبراهيم عليه السلام أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل عليه السلام بيده وأنه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعز ولده بيده فيستحق بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب)الحديث .( وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)البقرة 123 ان كان هذا هو هم ابراهيم ع في بداية حركته وعند اقصى درجة تضحياته وعند وفاته . فمن الحكمة ان يأتي الخطاب محاكيا لهمه وفي مستوى هدفه.

بقي علينا تذليل بعض العقبات:

الاولى- وهي أن الإمام الرضا ع لم يذكر صراحة ان الحسين ع هو فداء للتوحيد بل صرح كون الفداء هو ( قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل عليه السلام لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين عليه السلام وقتله...)الحديث

الجواب: لو تتبعنا طريقة الأئمة ع في كشفهم لكثير من المسائل الاعتقادية والمعاني القرآنية.لوجدنا أنهم ع لم يكشفوا وجه الحقيقة بكامله عن كامل مستوى ذلك الرأي او هذا المعنى بل يعطون معنا يتناسب ومستوى فهم الجيل المعاصر لذلك الرأي وفي نفس الوقت ممكن الاستفادة منه كقاعدة عامة تتناسب مع كل الأزمنة لتكون مدخلا لفهم العقيدة والقران ويتركون فهم ما تبقى على عاتق تكامل الأمة وتطورها الإيماني والعقلي.

ولو تاملنا في حديث الامام الرضا ع لرأينا انه ص  :

1-             ادخل قضية الحسين ع  في معنا تفسير الاية الشريفة.

2-             فتح باب التفاضل بين القضيتين .

3-             رجح قضية الحسين ع على حادثة فداء إسماعيل ع (قال يا رب بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي)الحديث

الثانية- ان القول بهذ الراي مخالف لقواعد العربية وذلك :-

 اولا – هو عدم عود الضمير على الاقرب.

ثانيا – عود الضمير على اكثر من مورد.

الجواب: ان المنع من عود الضمير على غير الاقرب ليس مما اتفق عليه كل علماء العربية فقد اجاز بعضهم رجوع الضمير الى غير الاقرب ان كان هو المحدث عنه .[5]

فان قيل لم يصرح المولى تعالى في هذه الصورة بمعنى التوحيد حتى يرجع الضمير اليه ؟

 وجوابه : لو رجعنا الى صدر السورة المباركة قوله تعالى (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا)(1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) فهو سبحانه يفتتح السورة بالقسم بثلاث ايات وجوابها ان الهكم لواحد وهل هناك تصريح بتوحيده سبحانه اوضح من ذلك وهو المحدث عنه في باقي ايات السورة وهي تشكل السياق العام لها ومن هنا جاز رجوع ضمير (فديناه) الى معنى (التوحيد) في بداية السورة وهو ما جوزه بعض اعلام العربية كما مر. بالاضافة الى ذلك اننا لم نقل ان الضمير في (فديناه) يقتصر في رجوعه الى معنى الوحيد وانما في السياق القريب من السورة يعود على اسماعيل عليه السلام وفي السياق العام للسورة يعود على التوحيد. والعودة الى المعنيين معا مطابق لعلاقة المعنى الثاني للأول وهو الاقرب للضمير باعتبار ان اسماعيل وابراهيم ع يقع عملهما في طريق ترسيخ هذا المعنى المقدس في ذاتيهما المقدستين بدليل قوله تعالى (ولما اسلما..) ومن المعروف ان التسليم لله تعالى هو من المقامات الشامخة في توحيده سبحانه ولما حققا وصدقا معنى قوله تعالى (ان الهكم لواحد ) في ذواتهم المقدسة في مقام التسليم له تعالى جاء النداء الالهي (وفديناه بذبح عظيم )وفي نفس الوقت يعود على المعنى العام وهو المحدث عنه من اول السورة . وفي جواز رجوعه الى اكثر من معنى ان كان مقصدهما واحد فهو نظير قوله تعالى (واللةو ورسوله احق ان ترضوه) فالضمير في قوله تعالى ( ترضوه ) يرجع الى الاثنين لان مقصدهما واحد .[6]

المعنى الرمزي للكعبة 

( تمثل الكعبة ، بنحو الرمز : الوجود الإلهي على الأرض ... ويكون إظهار الإخلاص لها إظهاراً للإخلاص للتوحيد ... ويكون التقرب إليها بالذبح والنحر تقرباً إلى التوحيد الإلهي في عالم المعنى والكمال الروحي والعقلي .

ويكون الدوران حول الكعبة بالطواف وجعلها مركز الإحساس المادي ، رمزاً حياً عن الدوران حول التوحيد وحول الحق الصريح وجعله مركز الإحساس المعنوي ، ومركز النشاط النفسي والاجتماعي .)[7]



البحث:

الآن وقد بدأت مرحلة جديدة للبشرية0 وحان الوقت لتبذر حبة التوحيد في طريق الاجيال. ألان وقد انتهت مرحلة طفولته0

حيث تخصب قلب وعقل الإنسان ليستقبل زرعا مبارك

ليستقبل التوحيد في مرحلته الجديدة  المكان -  واد غير ذي زرع-

إذ صدح أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام معلنا بداية مرحلة جديدة له فأمره المولى تعالى إن يجعل رمزا لتوحيده فباشر ببناء مكة لكي تكون رمزا تجسيديا لذلك التوحيد. وان الرمز يشبه المرموز إليه والكعبة رمز للتوحيد –كما مر- فلا يكتمل التوحيد خالصا لله إلا بوجود فداء له ليكون منارا وضياءا يستنير به السائرون على نهجه العادل وكذالك الرمز المادي أي الكعبة لا يستقيم بنائها إلا بوجود فداء. وهذا ما نرجوه نحن اليوم بذبحنا للفداء عندما ننشأ بيتا جديدا .

عندها رأى إبراهيم ع في المنام انه لا يستقيم بنائك المعنوي -التوحيد- والمادي- الكعبة- ولا ترقى بكمال توحيد اللة على المستوى الشخصي والنوعي إلا بوجود فداء لهما وفدائهما هو ذبح ولدك ( وجعلناها كلمة باقية في عقبه...)الزخرف28  ولما هم  بذبح ولده المباشر إسماعيل عليه السلام جاء النداء الإلهي أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ونجحت في الابتلاء الإلهي المبين ولا تذبح ابنك فانا فديناه بكبش: إما البناء الحقيقي التوحيد فقد فديناه بذبح عظيم. وأنه من ذريتك كما تحب (وسيأتي في محله العلة التي يحتاج التوحيد فيها إلى فداء .

 ألان لا بد من السؤال عن ذلك القدوة والفدائي أو قل فدائي التوحيد المطلق الذي يستحق وصف المولى له بالعظيم ؟

إذ يبقى قلق الخليل على زرعه  ولا بد له من حارس أمين يتعهد له بضمان الحفاظ عليه عبر السنين والأجيال ويحميه من أئمة الجور والظلال. حتى ضاق بذالك ذرعا فتوجه إلى ربه متضرعا فقد كانت رغبته عليه السلام أن لا يخرج ذالك الأمر عن ذريته حيث قال حين بشر بالإمامة (..ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) البقرة124

  من يا ترى سيتكفل بأعباء  هذه المهمة ؟

لو رجعنا كثيرا إلى الوراء ووقفنا في بداية حركة الإنسان على الكوكب بشرط أن يكون لدينا تصور عما جرى من أحداث على العالم في المستقبل ونعلم ما سوف تمر به البشرية من ويلات وماسي وتعانيه من ظلم وجور وقهر وكذلك نعلم بكل المسارات الخاطئة التي تحاول الميل بالركب البشري عن جادة العدل   ثم نسأل من يستطيع أن يوقف هذا الانحراف؟قطعا سوف ينهض الأحرار من كل امة ليضعوا خططهم كلا حسب استطاعته وزمانه ومكانه ونوع الظلم والانحراف الذي يواجهه0وهذا ما عليه كل المصلحين في كل العصور0ولكن ما نريده هو شخص اخر.شخص استوعب مفاصل العدل الإلهي وله القابلية أن يرقى إلى مراتب الكمال الإنساني بكل دقائقها   شخص لديه قدرة عالية جدا على فهم الطبع البشري ويعلم إلى أي مدى ممكن ان يصل إليه من القسوة والإجرام والبطش والجبروت  ثم يختار أنموذجا جامعا لكل تلك الصفات البشعة ويحمل على كفيه كل ما ومن ينتمي إلى قلبه الطاهر ما خلا مبادئه ويضعه بكل صدق وصبر وثبات أمام مسير هذه العجلة الظالمة الغاشمة، ليتحول استنصاره ناقوسا يصك إسماع الظالمين عبر الأجيال ليفهموا هذه الحقيقة المرة0 أن للمظلوم أسلحة متعددة ولديه طاقات لا يمكن السيطرة عليها0 وتتحول دمائه وأحبائه إلى شرايين تنضب في قلوب الأحرار وعلى مر العصور.

إننا نبحث عن:  إنسان يفني كل شيء لنصرة المنهج الإنساني الحق إننا نبحث عن             قدوة وفداء

 قدوة : يحتذي به المستضعفون ويضرب لهم مثالا واقعيا بمواجهة الظلم بأقسى صوره.

وفداء : للمنهج العادل الكامل الذي يتغلغل في دقائق الكون ولطائفه بشكل لا متناهي وما ذلك إلا لبراعة أنامل الخبير القدير إذ خطها بريشة لطفه وحكمته وأمر عباده بالسير على ذلك النهج وصولا إلى كمال معرفته وجعل قادة وإدلاء عليه ليعصموا الناس من الانحراف عنه0     

ينتج من هذه المقدمة بالإضافة إلى الرواية عدة أمور يمكن إن تخرج هذا الرأي إلى دائرة التصور المعقول:

أن هناك وجه آخر لفهم معنى الذبح العظيم0 ورؤيا أخرى للمفتدى له :

أ- الذبح هو إسماعيل ع فداء لبيت الله(مكة)0

ب-الذبح هو الكبش المنزل فداء لإسماعيل ع0

ج- الفداء هو الجزع على الحسين ع المفتدى له هو جزع إبراهيم ع على إسماعيل ع.

د- الفداء هو الحسين ع المفتدى له هو إسماعيل ع .

ونبقي الآن باب زيادة الرؤى مفتوحا لعلنا نعين خليل الله ع في مهمة اختيار فدائيه المختار للحفاظ على شجرة التوحيد0 ألان قد صرح لسان القدس على لسان المعصوم ع  دخول الحسين عليه السلام في سلسلة قصة الفداء رغم البعد الزمني عن وقوع هذه الحادثة وصرح أيضا بفتح باب التفاضل بينهما وترجيح كفة قضية الحسين ع .

وما ذلك إلا إشارة إلى سيناريو المسلسل الكبير الذي امتدت حلقاته من بدء الخليقة بل من اجله وجد الخلق اجمعين (وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون) الذاريات56 أنها قصة التوحيد .

وقبل الدخول في عملية التفاضل لابد من الإشارة بشكل مختصر إلى المراحل التاريخية للتوحيد،ونحاول إن نميز بين هذه المفاهيم المباركة -الفداء والمفتدى له -  ونجعل كل واحدة إزاء المرحلة التاريخية باعتبار تأثيرها التربوي في تكامل البشرية ووفق قاعدة العدل وضع الشيء في موضعه وقاعدة أن للقران أكثر من معنى[8] اختيار المصداق الأكثر تناسبا والأوسع تطبيقا مع مفهوم (الذبح العظيم) الوارد في الذكر الحكيم ليكون هو أعلى مراتب معنى الفداء ،ووفقا للتقسيم الثلاثي للتاريخ فانه قد مر بثلاث مراحل أساسية :

المرحلة الأولى- ما قبل إبراهيم ع0وتعتبر هذه المرحلة مرحلة حضانة ولازال العقل البشري متعلقا بالأسباب القريبة منه والمحسوسة لديه ولا يتجرا برفع بصره إلى ابعد من ذلك وهذا واضح من خلال ردود أفعال المجتمعات تجاه أنبيائها
ومصلحيها حتى وصل الدور لنبي الله إبراهيم عليه السلام

المرحلة الثانية-  مرحلة ما بعد إبراهيم ع : أعطى إبراهيم ع بعدا جديدا للتوحيد ونقل مستوى التعامل معه إلى مرحلة إمكان التعامل والثقة بالغيب وان هذا الغيب يستحق التضحية الاختيارية حتى وان كان بذبح وحيده وعزيزه إسماعيل ع وإيذانا باستقبال النبوات الشاملة وترويض العقول والقلوب للمرحلة القادمة.

 المرحلة الخاتمة -مرحلة ما بعد الرسالة الخالدة0ثم دور خاتم النبيين وسيد المرسلين صلوات الله عليه واله إذ جاء بهديته العظمى وما فيه خير البشرية جاء بالرسالة الكاملة والخاتمة وهي مرآة لتجارب كافة الأنبياء ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ .... }المائدة48 ومنهاجا تربويا متكاملا للتوحيد والحياة واقصد منهاجا ليس نظريا وحسب بل تطبيقيا أيضا إذ اصطنع واصطفى رب الرسالة خير بريته لأداء هذه المهمة الجليلة  رحمة منه ومراعاة للطبع البشري والذي من انجح أساليب تأثره وتربيته هو وجود قدوة ومثلا أعلى يهديه إلى ما يدعى إليه من صراط الحق والمنطبق تماما مع ما جبلت عليه فطرته وتلك ثلاث حجج كاملة. ومن المعلوم إن الإنسان ينطوي على شقي من القابلية الخير والشر السلب والإيجاب الظلال والهدى (وهديناه النجدين )البلد 10 وقد خير بينهما، ومهمة قادة الحق هي دعوتهم إلى ما يحييهم وتارة تكون هذه الدعوة مباشرة وأخرى غير مباشرة وأما الأولى كان يكون الإنسان متجها إلى طريق الصواب فسوف تؤثر به الدعوة المباشرة وأما الأخرى ما إذا تقاعس الفرد أو انحرف أو قهر على ترك المسير باتجاه هدفه بما في ذلك دفع الضيم والحيف الذي يمارسه أئمة الظلال ضد أبناء بني البشر فبالإضافة إلى الإرشاد النظري يبرز دور التجسيد العملي لذالك المنهج لتحفيز ضمير الأفراد للانتفاض بوجه كل الموانع والحواجز التي تحول دون هدفهم سواء في التوحيد أوفي الحياة الحقيقية المنسجمة مع التوحيد من هنا يبرز دور عملية الفداء العظيمة المتزامنة مع الشريعة العظيمة والمشحونة بأعظم مراتب التوحيد0 وهل توجد لوحة فداء أبرع مما رسمه الحسين ابن علي ع في رائعته على صفحة كربلاء؟

وقد يرد على ذالك أمران :

أولا- بان يكون دور الإمام ع والمصلحين هو دور ثانوي في مسيرة التوحيد.

جواب :

لو دققنا في النسبة الحقيقية للذين يحتاجون إلى مصلحين لوجدنا انها دائما هي الغالبة في كل كتلة اجتماعية فهم اما منحرفون او مظللون(بفتح اللام) او متهاونون او امة مقهورة ومغلوبة على أمرها الا ما ندر نجد بين الفينة والأخرى بحبوحة عدل نسبي في زاوية من زوايا العالم ونستثني من ذلك أيضا بعض الفترات والمتباعدة زمانا أقيم فيها العدل وكان روادها وقادتها ممن استوعبوا معنى العدل الإلهي وما ذلك إلا لاظهار معنى العدل المستمد من السماء لطمأنة الإنسان في  مصدره ،ودونك قول اللة تعالى ( ...وقليل من عبادي الشكور)سبا13

وقوله (...واكثرهم للحق كارهون )المؤمنون70 وقول امير المؤمنين عليه السلام في خطبة له (اضرب بطرفك حيث شئت من الناس فَهَلْ تُبْصِرُ إِلاَّ فَقِيراً يُكَابِدُ فَقْراً أَوْ غَنِيّاً بَدَّلَ نِعْمَةَ اَللَّهِ كُفْراً أَوْ بَخِيلاً اِتَّخَذَ اَلْبُخْلَ بِحَقِّ اَللَّهِ وَفْراً أَوْ مُتَمَرِّداً كَأَنَّ بِأُذُنِهِ عَنْ سَمْعِ اَلْمَوَاعِظِ وَقْراً... ) [9]وانظر الى العالم ألان بين يديك فقد حجبت أمم بكاملها عن منابع التشريع الحقيقية وصنع لها مرجعيات مزيفة واجتهد أئمة الضلال بدعم ذلك التزييف بغية صرف قلوب وعقول العامة عن تذوق طعم عدل السماء مخافة ان يقارن أولئك المساكين ذلك العدل مع ممارساتهم القبيحة والبعيدة كل البعد عما رسمته السماء ومن أبشع تلك المرجعيات المزيفة وأكثرها تأثيرا على عواطف الناس( الصحبة المزعومة للنبي ص)

 (الشورى ) وغيرها0والحرية وحقوق الإنسان وأظلوا وظلموا الناس بشعارات وضعت في الأساس لهدايتهم وإقامة العدل فيهم0وكم هي نسبة الفقر والجرائم و الحروب الظالمة  وكم عدد الأنظمة والأفراد المتسلطين على رقاب مليارات من البشر وكم عدد الجائعين واليتامى والأرامل وكم نسبة المساعدات والمعونات المقدمة لهم0! الا قليلا ويعطى بمن ولؤم ولاجل تدعيم سلطان الظلمة والمتكبرين، فهل ترى بعد ذالك دورا لمصلح ؟

والإيراد الثاني- ان المستفيد الوحيد من نهضة الإمام ع هم من دون خط العدل ولا ينتفع بها الأخيار من البشر والذين في الأساس هم سائرون على جادة العدل :

جواب:

 اولا-  ان الإفراد والمجتمعات ليسوا اما معصومين بالمطلق او منحرفين بالمطلق0 ونحن كلنا نعلم بالوجدان ان الأغلبية الساحقة هي بين ذلك وان كان هدفهم الحقيقي هو الوصول الى مرتبة العصمة المكتسبة ولأجل ذلك قدمت التضحيات الكبيرة والكثيرة الا اننا لسنا في ذلك الزمان0                              

 ثانيا- اننا لم نقل ان المنحرفين هم فقط من ينتفعوا بتلك النهضات بل هناك المقهورين والمغلوب على أمرهم ولعل فيهم من يكون خيرة العدول والمؤمنين . 

ثالثا -  بالإضافة الى المراتب العليا من العدل ومن تدرج في مراتبه يرى ذلك امر نسبي فكلما ارتقى فيه مرتبة راى ما دونها ظلما بالنسبة الى ما هو عليه فيحتاج الى لسان صدق وشاهد حقيقة ومثالا عمليا اعلى ليحطم به كل علائقه الممكنة فسوف يجد الحسين ع نصب عيني بصيرته  ليحطم به ذلك الظلم الباطني ويرقى في مراتب العدل .





التفاضل بين الحادثتين :-

وإذا قارنا بين قضية إبراهيم وسماعيل عليهما السلام وقضية الحسين عليه السلام سنجد بينهما تشابها كبيرا مع وجود فوارق ضمنية  بالكم والكيف :

1-إن الحسين ع اصطحب معه من ينتمي إلى قلبه الطاهر وكذلك إبراهيم ع.

2- توجه ابراهيم ع الى ارض جرداء وكذلك الحسين ع ,.

3-توجه الحسين ع الى ارض غربة وكذلك ابراهيم ع  .

4- اصابة اهل ابراهيم ع  بالهلع والخوف والجوع والعطش وكذلك الحسين ع .

5-وكلاهما تركا أحبائهما في ظروف قاسية ورحلاز

6-دخول مكة في تفاصيل الحادثتين .

7-التأثير الجوهري لرحلتيهما على مجرى رحلة التوحيد0وما يترتب من نتائج إلهية عظمى .

8-توافد اعداد كبيرة جدا من أتباع أصحاب الحادثتين على محل عملية الفداء .وهذا القانون الذي كشف عنه الله تعالى عمليا حين اجاب دعوة خليله حين دعاه ( واجعل افئدة من الناس تهوي اليهم )

9- تجديد الولاء لله تعالى بذكرى الحادثتين في نفس اليوم (العاشر ) في شهر حرام وكذلك ظهور متمم دعوة الاولين والاخرين ارواحنا لمقدمه الفداء في نفس اليوم وفي ذات المكان (والفجر "وليال عشر)الفجر 1-2)

حيث يجدد المسلمون عهدهم مع بارئهم باستذكارهم فداء ابراهيم ع بولده في العاشر من ذي الحجة الحرام .وإحياء أنصار الحسين ع في العاشر من محرم الحرام ذكرى شهادته وفدائه ومن المفارقات اللطيفة ان اكبر حشد وتجمع مستمر للمسلمين بل في العالم كله هو في زمان ومكان حدوث تلك العمليتين ،مكة المكرمة وكربلاء المقدسة ،مكان فداء اسماعيل والحسين ص. وهي اجابة دعوة الخليل (..واجعل افئدة من الناس تهوي اليهم..)ابراهيم37

  الفوارق الضمنية:

اولا- حجم المأساة:  تنوع الطبقات الاجتماعية المشاركة في أحداث كربلاء وما لذلك من انعكاس مهم على أصناف الفئات  المماثلة لها إذ لم يترك الحسين ع نوع علاقة ممكنة إلا وادخلها في ركبه المبارك ليس ذلك وحسب بل عمد إلى كل نوع من هذه العلائق وعدده من عدة فئات مثلا عدد من الإخوة وبأعمار متفاوتة وعدد من الأولاد ابتدئا بالرضيع وانتهاء بالسجاد ع وعدد من البنات أيضا بأعمار متفاوتة وزوجاته وكم هائل من أبناء الإخوة والأخوات وثلة من خلاصة أصحابه وقد قطعوا أمام عينيه وبين يديه ويسمع صوت أطفاله وأيتام أصحابه تأن من العطش والجوع ويعلم ما سيجري على مخدراته بعد قليل وكل الم ذلك اعتبره في جانب وفي جانب آخر هو علمه بمقتله وبتلك الطريقة المأساوية أمام أنظار أطفاله وبناته ونعلم ذلك في أنفسنا لو خير احدنا بين عدة أشكال من الألم أو أن يعتدي عليه أمام عائلته قطعا لا نختار الصورة الأخيرة أبدا لما يتركه ذلك من اثر بالغ في نفوسهم0   وانه سوف يفارقهم والى الأبد بشهادته بعد قليل0 وكل ذلك  حصل في ساعات قليلة0 فتصور كم ترك هذا المشهد المرعب من الم في قلب الإمام الحسين عليه السلام  ؟ بخلاف إبراهيم ع لم يكن معه إلا ابنه إسماعيل ع وزوجته هاجر 0إن الذي حصل وفي مورد المقارنة هي قضيتان الأولى –الترك- في واد غير ذي زرع0 والثانية الابتلاء بالذبح 0وان الحادثتان لم تقعا في زمانا واحد بل بفارق سنين طويلة وهذا ما يخفف اثر ألمهما على قلبه0 إن الخليل ع لم يرى عائلته تتألم من العطش أو الجوع وانه سوف يعود إليهم بعد حين مع احتمال عدم تعرضهما لسوء0 وتركهم وهو سالم معافى ولم يكن هناك رد فعل مأساوي من عائلته من هذه الناحية على العكس كان هذا يبعث في نفوسهم الأمل برجوعه 0 إما قضية الذبح نعم فقد اجتاز إبراهيم ع ذلك الاختبار بصورة رائعة جدا ولكن الذبح على أيدي الأعداء اشد إيلاما كما صرح هو في حديث الإمام الرضا ع

 ( .... قال فذبح ولده ظلما على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي قال يا رب بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي ...)بالإضافة إلى عدم تحقق الذبح بصورة فعلية وافتداء إسماعيل ع في القصة المذكورة0 لا يبقى أدنى شك أن إحداث كربلاء أعظم من ناحية البعد العاطفي وعمق تأثيرها على طبقات واسعة للمجتمع وبالتالي أنعاكسها التربوي عليهم.

ثانيا- إلاعلان عن الاهداف

 ما أن بدأ الإمام الحسين عليه السلام برحلته المباركة حتى أفصح عن أهداف ثورته الخالدة وهذه بعض منها حيث قال ع (لم اخرج أشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا إنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي رسول الله صلى الله عليه واله أمر بالمعروف وأنهى عن المنكر)وقال ع (يزيد شارب للخمر قاتل النفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله ) وقال ما معناه (من لحقني استشهد ومن يلحقني لم يدرك الفتح) وقال صلوات ربي عليه(كان بأوصالي هذه تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء...) إما إبراهيم عليه السلام فقد ذكر القران الكريم وتحديدا فترة تعاطيه مع أحداث مكة وهي موضوع المقارنة ذكر أمرين مهمين في الجانب التوحيدي وهما الأول ذهابه إلى ربه حيث قال ع (وقال إني ذاهب إلى رب  سيهدين )الصافات99 أي التوكل المطلق والثاني التسليم المطلق لأمر الله تعالى إذ قال (ولما اسلما تله للجبين) وأما البعد الاجتماعي فالتأثير المباشر يكاد ينحصر في إبراهيم ع وزوجته وولده إسماعيل ع وإما من عاصرهم والذين يعنيهم أمرهم من المؤكد له تأثير ايجابي ولكن لا أتصور أنها تعدت عدة أجيال وإلا لوصلت ألينا من غير القران الكريم ولو كان التأثير مهما ومعتدا به لما أهمله القران في قصته.  [10]

ثالثا-الأهمية الزمانية:قد علمنا أن التوحيد سلسلة متكاملة ومترابطة وقد مر في ادوار من النمو والتكامل ومنها ما هو جوهريا وأساسي في حركته عبر الأجيال وبداية ظهوره بصورته الكاملة على يد سيد المرسلين وجاءنا في طيات شريعته الخالدة 0لا يبقى ادني شك أن عين تنبع من قلب خاتم النبيين ومولود يأتي من رحم شرعته الغراء0أي يأتي في زمن التوحيد الكامل وامتدادا للشريعة الكاملة ومتمما لدور صاحبها وفي حقبة زمنية لها تلك الأهمية الاجتماعية والثقافية ويحمل هذه الأهداف وبسعة وحجم تضحية كربلاء يكون أكثر أهمية من حيث التأثير التربوي على مستوى التوحيد والحياة للبشرية0اذ جسد صلوات الله عليه كل ظلامات العالم وبكل أصنافها وبأقسى صورة ممكنة وجسد أيضا كل المفاهيم الطيبة والتي تبعث على الحياة الحقيقية كالتضحية والإيثار والحب والسلام والحرية والعبودية الخالصة لله والى أقصى حد ممكن.ولهذا السبب ارتدت اقلام الواصفين معترفة بعجزها وحيرتها عن الاحاطة بوصف حقيقة نهضته0 والا كيف يستطيع عقل بشري ان يدرك( رجل يبكي على رضيعه قد ذبح بين يديه وبعد لحظات يبكي على قاتليه)...فكلما حاول المتتبع ان يدرك بالفاضه وكتاباته معنى ثورته توارى ذالك المعنى خلف حقيقتها0 وكلما هم الراغبون لمس تلك الحقيقة تلاشت في قلب صاحبها الممزق. وان علت همة العارفين للولوج الى ذلك القلب الكبير سيجدوا أنفسهم أمام رب الأرباب ولا عجب في ذلك لان ذلك الفدائي العظيم ذاب وفني في الله الواحد الأحد 0ونحن نقرا في زيارته ع السلام على باب الله الذي منه يؤتى.وقولهم ع من أراد الله بدا بنا وقول المعصوم ع سفينة الحسين أسرع وأوسع.

مقدمة الخلاصة

لا شك ان اوسع نعمة تفضل بها المولى تعالى على الممكنات هي نعمة الوجود وجعل قوانين تحكم موجوداته وجعل تلك القوانين بعضها حاكم على بعض ولكل منها سبيله ومنهاجه وهدى من شاء الى سبيله وتفضل على خلقه باقدس واعظم ما في ذلك الوجود بل لاجله وجد الوجود وهي نعمة التوحيد وهيأ له من يحرسه ويفتديه من انبياء ورسل حتى جاء دور النبي محمد صلى اللة عليه واله متمما للأديان وخاتما لرسالات ربه حاملا ومجسدا لكتاب اللة اذ نطق ذلك الكتاب بلسان كل تلك القوانين الدنيا منها والعليا (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)النحل 89 وهو الدليل الكامل للدين الكامل ثم التوحيد الكامل. أترى من كانت تلك صفته ومسيطرا بقيوميته على تلك القوانين المتعددة والمتفاوتة  حين يصدر أمرا بكتابه الكريم اليس من العدل والحكمة والرحمة ان يهيئ كل مقدمات تحقيقه ومن اهم تلك المقدمات وجود مثلا اعلى في الفداء كما مر عليك لحماية تلك الجوهرة المقدسة(التوحيد) ضمانا لتحقيق امره  ولكن كل يفهم ذلك الامر حسب مستوى القانون الذي يعيشه واقصد هنا بالقانون المرحلة الإيمانية والمستوى الكمالي الذي يمر به الانسان.

الخلاصة

- أعظم ما في الوجود التوحيد...

- الله تعالى يريد لخلقه بلوغ اعلى مراتبه...

- من الحكمة والعدل والرحمة تهيئة المقدمات...

- ومن أهمها وجود قدوه ومثلا أعلى يفتدي الهدف الالهي...

- وجود قابلية لدى الانسان على تأخير ذلك الهدف...

- تحقق التأخير فعلا ...

- اختيار القدوة في زمان ومكان ومنهجا يضمن تحقق أهداف الفداء ...

- المنهج هي الرسالة التي تتضمن اعلى مراتب التوحيد (الدين الإسلامي)...

- الزمان بداية تحقق الانحراف عن ذلك المنهج...

- المكان   -كربلاء-  ...

- صاحب الرسالة يسلط الأضواء على سبطه ويدعوا لمودته ...

- الحسين يذبح فداءا لدين جده ...

- تحقق الاقتداء بعملية الفداء ...

- تنزه وبقاء دين التوحيد العظيم  بفداء الحسين العظيم ..

-  وذلك قول الله تعالى (وفديناه بذبح عظيم )

 وانه من ذرية إبراهيم و إسماعيل عليهما السلام0

والحمد لله ذي المنة والسلام    على وليه الأعظم (عج)



المصادر



1-القران الكريم



2-نهج البلاغة



3-اضواء على ثورة الامام الحسين ع



4-فقه الاخلاق



5-الخصائص الحسينية



6- العوالم –الامام الحسين ع



7-همع الهامع



8- البحر –للزمخشري



9-كنز العمال





[1] عيون اخبار الرضا ع ج1 ص209
[2] العوالم الامام الحسين ، الشيخ عبدلللة البحراني ص106
[3] الخصائص الحسينية ، التستري
[4] الشهيد محمد صادق الصدر، اضواء على ثورة الامام الحسين ع ص74
[5] السيوطي ،همع الهامع ج1 ص65  ان الضمير في (ذريته)في قوله تعالى (ووهبنا له اسحاق ويقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب)يعود على ابراهيم ع لانه هو المحدث عنه من اول القصة ونقل مثل ذلك ابو حيان عن التبريزي.
[6] الزمخشري، البحر ج7 ص528
[7] الشهيد محمد صادق الصدر، فقه الاخلاق ج2 ص136
[8] في خطبة مروية عن النبي ص يقول فيها (.. له ظهر وبطن فظاهره حكم وبانه علم ،لا تحصى عجائبه ولا يشبع منه علمائه ، كنز العمال ج2ص186.
[9] نهج البلاغة خطبة 125

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق